ونقيضَه كذلك، فنظير "دخلتُ": "عَبَرْتُ"، ونقيضُه "خرجت"، وكِلاهما لازمٌ غيرُ متعدّ، فحُكم عليه باللُّزوم، لذلك قالوا: وإنّما قيل: "دخلت البيت" على تقدير حرف الجرّ، ثمّ حذف لكثرة الاستعمال. وقال أبو العباس: هو من الأفعال التي تتعدّى تارةً بأنفسها، وتارةً بحرف الجرّ، نحو: "نصحتُ زيدًا"، و"نصحت لزيد"، و"شكرتُه"، و"شكرت له". فكذلك قلتَ: "دخلتُ الدارَ"، و"دَخَلْتُ فيها" وهو الصواب، لأنّه لو كان على تقدير حرف الجرّ لاختصّ مكانًا واحدًا كثُر استعمالُه فيه، كما كان "ذهبتُ" مقصورةً على الشام، فلمّا كان "دخلت" شائعًا في سائر الأمكِنة، دلّ على صحةِ مذهبِ أبي العبّاس، وأمّا "ذهبت" فمتّفَقٌ على كونه غيرَ متعدّ بنفسه، وقد حُذف منه حرفُ الجرّ.
واعلم أنّ ظرف المكان على ضربَيْن أيضًا: متصرِّفٌ، وغيرُ متصرّف، فالمتصرّفُ
منه ما جاز رفعُه وخفضُه، ودخلته الألفُ واللام، نحو: خَلْفٍ، وقُدّامٍ، وفَوْقٍ، وتَحْتٍ، ومكانٍ، وموضع، فهذه كلُّها متصرّفةٌ. تقول: "قدّامُك فضاءٌ"، و"خَلْفُك واسعٌ"، قال الشاعر [من الكامل]:
254 - فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَيْن تَحْسَبُ أنّه ... مَوْلَى المَخافَةِ خَلْفُها وأَمامُها