الأمرُ كذلك، ثم أتيتَ باسم قد وقع الفعلُ الذي بعده على ضميره، نصبتَه بإضمارِ فعل على نحوِ ما ذكرناه في الاستفهام، وكان النصبُ في الأمر والنهي أقوى منه في الاستفهام، من قِبَل أن الأمر والنهي لا يكونان إلّا بالأفعال، وقد يكون الاستفهامُ بغيرِ فعل، نحو قولك: "أزيدٌ أخوك؟ "، و"أعبدُ الله عندك؟ "

وإنّما قال في التمثيل: "زيدًا اضربْه"، و"زيدًا ليضربْه عمرٌو" ليُرِيك أنَّه لا فَرْق في ذلك بين الأمر للحاضر والأمرِ للغائب، فقولُه: "زيدًا اضربْه"، أمرٌ للحاضر، و"زيدًا ليضربْه عمرٌو" أمرٌ للغائب، فمَثَّلَ بهما.

والرفع جائزٌ على الابتداء، والجملةُ بعده سدّتْ مسدَّ الخبر. وإنّما قلنا: سدّت مسدّ الخبر؛ ولم نقل: الخبرُ؛ لأن حقيقةَ الخبر ما احتمل الصدْقَ والكذْبَ، وذلك معدوم في الأمر والنهي.

ومثله "أَمَّا" في قولك: "أَمّا زيدًا فاقتله"، و"أمّا خالدًا فلا تشتِمْ أباه" في اختيار النصب. وذلك من قِبَل أنّ "أمّا" تقطع ما بعدها عما قبلها، ويصير ما بعدها كالكلام المستأنَف، فنُصب لِما ذكرناه في الأمر والنهي، غيرَ أنّك لا تقدِّر الفعلَ بعد "أمّا"؛ لأنّ "أمّا" لا يَلِيها فعلٌ لتضمُّنها معنى الفعل، ولكن تقدّر الفعلَ بعد الاسم بلا ضمير، وتُعدّيه إلى الاسم، ثمّ تحذفه، ثمّ تأتي بالفعل المفسَّر، وتقديرُه: أمّا زيدًا فاقتلْ، فاقتلْه، وأمّا خالدًا فلا تُهِنْ فلا تشتمْ أباه". ولا بدّ من الفاء بعد "أمّا"؛ لأنّها جواب لِما تضمَّنته من معنى الشرط.

* * *

قال صاحب الكتاب: "والدعاء بمنزلة الأمر والنهي، تقول: "اللهم زيداً اغفر له ذنبه"، و"زيداً أمر الله عليه العيش". قال أبو الأسود [من الطويل]:

248 - [أميران كانا صاحبيَّ كلاهما] ... فكلا جزاه الله عني بما فعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015