إلى الهِجاء أقربُ. والحقُّ أنّه مَدِيحٌ، والمراد ما ذكرناه من أنّه تقع الغُنْيَةُ عنكِ، ومثله قولُ الشَّمّاخ [من الوافر]:
246 - إذا بلّغتِني وحملتِ رَحْلِي ... عَرابَةَ فاشْرَقِي بدَمِ الوَتِينِ
وليس ذلك بهجاء، ألا ترى أنّه يقول في أثناء القصيدة [من الوافر]:
إذا ما رَايَةٌ رُفعتْ لمَجْدٍ ... تَلَقّاها عَرابةُ باليَمِين
فأمّا قولهم: "زيدًا مررتُ به"، فهو منصوبٌ بفعل مضمر يفسّره هذا الظاهرُ، إلّا أنّ النصب ها هنا أضعفُ منه في قولك: "زيدًا ضربتُه"؛ لأنّك إذا قلت: "زيدًا مررت به"، أضمرتَ فعلًا على غير لفظِ الأول، كأنّك قلت: "لَقِيت زيدًا" أو"جُزْتُ زيدًا"، أو "جعلتُ زيدًا على طريقي"؛ لأنّك إذا جزتَه وجعلتَه على طريقك، فقد مررتَ به. وإذا قلت: "زيدًا ضربتُه" أضمرتَ فعلاً من لفظه، فكأنّك قلت: "ضربتُ زيدًا ضربتُه"، فيكون الظاهرُ دالآ على مثلِ لفظه ومعناه. وفي قولك: "زيدًا مررت به" يكون الظاهر دالآ على مثلِ معناه. دون لفظه، وما اجتمع فيه اللفظُ والمعنى كان أقوى في الدلالة، وإذا ضعُف النصبُ قوِي الرفعُ.
ومثله قولك: "عمرًا لقيتُ أخاه"، و"بشرًا ضربتُ غلامَه" في جَوازِ النصب، لأنّ الفعل إذا وقع بشيء من سَبَبه، فكأنّه قد وقع به. والدليلُ على ذلك أن الرجل يقول: