إليهما تعدَّيًا واحدًا، وإن كان زيد آخذًا، والدرهم مأخوذًا، فهما مختلفان من جهة المعنى. فكذلك ها هنا، إذا عطفتَ "الأسد" على "إيَّاك"، شَارَكَه في عمل الفعل المحذوف، وإن اختلف معناهما. فالمخاطبُ حَذِرٌ خائفٌ، والأسدُ محذورٌ منه مخوفٌ، وإن كان الفعل قد تعدَّى إليهما، إلّا أنّ تعدِّيه إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرفٍ.

فإن قيل: هل يجوز حذفُ الواو من "الأسد"، فتقولَ: "إيّاك الأسدَ"؟ قيل: لا يجوز ذلك لأن الفعل المقدَر لا يتعدّى إلى مفعولَيْن، ملم يكن بدٌّ من حرف العطف، أو حرفِ الجرّ، نحو: "إيّاك والأسدَ"، و"إياك من الأسد"، فتكون قد عدّيتَه إلى الأوّل بنفسه، ثمّ عدّيته إلى الثاني بحرفِ جرّ.

فإن قيل: فهلاّ جاز حذفُ حرف الجرّ، فقلتَ: "إيّاك الأسدَ"؟ قيل: ليس ذلك بالسهْل، ولا يقدم عليه السماعُ من العرب، وربّما جاء مثل ذلك بغير واو في ضرورة الشعر، نحو قوله [من الطويل]:

239 - فإيّاك إيّاك المِراءَ فإنّه ... إلى الشَرّ دَعّاءٌ وللشَّرّ جالِبُ

والمراد: والمِراءَ بحرف العطف، أو مِن المراء، بحذف حرف الجرّ، وسيبويه (?) ينصب "المراء" بفعلٍ غيرِ الفعل الذي نصب "إيّاك" كأنّه لمّا قال: "إيّاكَ إيّاكَ"، اكتفى، ثمّ قال: "اتَّقِ المراءَ"، أو"جانِبِ المراءَ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015