ونحوُ قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (?). وقد كثُر حذفُ حرف النداء في المضاف، نحو قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} (?). وقال تعالى: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (?)، وقال: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} (?)، وقال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (?). وهو كثيرٌ في الكتاب العزيز. وفي الجملة حذفُ الحروف ممّا يَأْباه القياسُ, لأن الحروف إنّما جيء بها اختصارًا ونائبةٌ عن الأفعال، فَـ "ما" النافيةُ نائبة عن "أنْفِي"، وهمزةُ الاستفهام نائبةٌ عن "استفهِمُ"، وحروفُ العطف عن "أعْطِفُ"، وحروفُ النداء نائبة عن "أُنادِي"، فإذا أخذتَ تحذفها كان اختصارَ المختصَر، وهو إجحافٌ، إلاَّ أنّه قد ورد فإما ذكرناه لقوَّة الدلالة على المحذوف، فصار القرائنُ الدالّةُ كالتلفّظ به.
وقوله: "يجوز حذفُ حرف النداء ممّا لا يوصَف به "أيٌّ"، جعل ذلك شرطًا في جوازِ حذفه لا علّةً. ومنهم من جعل ذلك علّة؛ وإنّما هو اعتبارٌ وتعريفٌ للموضع الذي يُحذف منه حرف النداء، فقالوا: كلُّ ما يجوز أن يكون وصفًا لـ "أيٍّ" ودعوتَه، فإنّه لا يجوز حذفُ حرف النداء منه؛ لأنّه لا يُجمع عليه حذفُ الموصوف وحذفُ حرف النداء منه، فيكونَ إجحافًا، فلذلك لا تقول: "رجلُ أقبلْ"، و"لا غلامُ تعالَ"، و"لا هذَا هَلُمَّ"، وأنت تريد النداءَ حتى يظهر حرفُ النداء, لأنّ هذه الأشياء يجوز أن تكون نُعوتًا لـ "أيّ"، نحوَ: "يا أيّها الرجلُ"، و"يا أيّها الغلامُ"، و"يا أيّهذا", لأنّ "أيًّا" مبهمٌ، والمبهمُ يُنْعَت بما فيه الألف