"أيّ" فنحوُ قولك: "يا أيهَا الرجلُ"، وهي أشَدُّ إبهامًا من أسماء الإشارة، ألا ترى أنّها لا تُثنَّى، ولا تُجْمَع، فتقول: "يا أيها الرجلُ" و"يا أيُّها الرجلان". و"يا أيها الرجالُ". ولذلك لزِمها النعتُ، فـ "يَا" أداةُ النداء، و"أي" المنادَى، و"هَا" تَنْبيهٌ، و"الرجلُ" نعتُه، والأصل فيه أنّهم أرادوا نداءَ الرجل، وهو قريبٌ من المنادِي، وفيه الأَلفُ واللام، فلمّا لم يُمْكِن نداؤُه والحالةُ هذه، كرهوا نَزْعَهما، وتغيير اللفظ عند النداء، إذ الغرضُ إنّما هو نداءُ ذلك الاسم، فجاؤوا بـ "أيُّ" وُصْلةَ إلى نداء "الرجل"، وهو على لفظه، وجعلوه الاسمَ المنادَى، وجعلوا "الرجل" نعتَه، ولزِم النعتُ حيث كان هو المقصودَ، وأدخلوا عليه هاءَ التنبيه لازمةً لِتكون دلالةً على خروجها عمّا كانت عليه وعِوَضًا ممّا حُذف منها، والذي حُذف منها الإضافةُ في قولك: "أيُّ الرجلَيْنَ"، و"أيُّ الغلامَيْن"، والصلةُ في نظيرتها، وهي "مَنْ". ألا ترى أنّك إذا ناديتَ "مَنْ"، قلتَ: "يا مَن أبوه قائمٌ"، و"يا مَن في الدار".

وتوصَف "أيُّ" في النداء بشيئَيْن: أحدُهما الألف واللام وقد ذُكر، والثاني: اسمُ الإشارة، نحوُ: "يا أيّهذا الرجلُ". فـ "ذَا" صفةٌ لـ "أيّ" كما وُصفتْ بما فيه الألفُ واللامُ. وجاز الوصفُ به لأنه مبهمٌ مثلُه كما تصِف ما فيه الألفُ واللام بما فيه الألف واللام. والنُّكْتة في ذلك أنّ "ذَا" يوصَف بما يوصف به "أيّ" من الجنس، نحوِ "الرجل"، و"الغلام"، فوصفوا به "أيّا" في النداء تأكيدًا لمعنى الإشارة، إذ النداءُ حالُ إشارة، والغرضُ نعتُه. ألا ترى أنّ المقصود بالنداء من قولك: "يا أيّهذا الرجلُ" إنّما هو الرجلُ، و"ذَا" وُصلة "أيِّ"، قال الشاعر [من الطويل]:

201 - ألا أيُّهذا المَنْزِلُ الدارِسُ الذي ... كأنّك لم يَعْهَدْ بك الحَيَّ عاهِدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015