وكان الأخفش يذهب إلى أنّ "أَيًّا" من قولك: "يا أيها الرجل" موصولةٌ، وأنّ "الرجل" بعدها صلتُها، قال: لأنّ "أَيًّا" لا تكون اسمًا في غير الاستفهام والجزاءِ إلّا بِصِلةٍ، وهو قولٌ فاسدٌ، لأنه لو كان الأمرُ على ما ذكر؛ لَمَا جاز ضمُّه؛ لأنَّه لا يُبْنَى في النداء ما كان موصولاً، ألا ترى أنّه لا يقال: "يا خيرُ من زيد" بالضمّ، إنّما تقول: "يا خيرًا من زيد" بالنصب, لأن "من زيد" من تمامِ "خير"، فكذلك "الرجلُ" من تمامِ "أَيّ".

واعلم أنّ حقيقةَ هذا النعت، وما كان مثلَه في نحو: "هذا الرجلُ" إنّما هو عطفُ بيان، وقولُ النحويين إِنه نعتٌ تقريبٌ، وذلك لأن النعت تَحْلِيَةُ الموصوف بمعنى فيه، أو في شيء من سَبَبه، وهذه أجناسٌ، فهي شرحٌ، وبيانٌ للأوّل كالبَدَل، والتأكيدِ، فلذلك كان عطفَ بيان، ولم يكن نعتًا.

وممّا هو منصوبٌ في التقدير والموضعِ، وإن لم يكن لفظُه منصوبًا، ما دخل عليه لامُ الاستغاثة، نحو: "يا لزيدٍ"، إذا استغثتَ به لغيره، ودعوتَه لنُصْرته، وحقٌّ هذه اللام أنّ تكون مكسورةً لأنّها لامُ الإضافة، ولامُ الإضافة تكون مكسورةً مع الظاهر، نحوَ قولك: "المالُ لزيد"، غيرَ أنّه وقعت هذه اللامُ لمعنيَيْن: أحدُهما المستغاثُ به، والآخرُ المستغاثُ من أجله، فلم يكن بُدٌّ من التفْرِقة بينهما، ففُتحت لامُ المستغاث به، وتُركت لامُ المستغاث من أجله مكسورةً بحالها للفرق، فإذا قلت: "يا لَزيد" بالفتح، عُلم أنّه مستغاثٌ به، وإذا قلت: "يا لِزيد" بالكسر، عُلم أنه مستغاثٌ من أجله. قال الشاعر [من الوافر]:

189 - تَكَنَّفَنِي الوُشاةُ فأَزْعَجُوني ... فَيَا لَلنَّاسِ لِلواشِي المُطاعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015