قال الشارح: اعلم أنّ المنادَى عند البصريين أحدُ المفعولات، والأصلُ في كلّ منادى أن يكون منصوبًا، وإنّما بنوا المفردَ المعرفةَ على الضّم لعلّةٍ نذكرها، والذي يدلّ على أنّ الأصل في كل منادى النصبُ قولُ العرب: "يا إيّاك" لما كان المنادى منصوبًا، وكنُّوا عنه؛ أتوا بضمير المنصوب، هذا استدلالُ سيبويه.
وقد قالوا: "يا أَنْتَ" أيضًا، فكنوا عنه بضمير المرفوع نَظرًا إلى اللفظ، كما قالوا: "يا زيدُ الظريفُ". فأتبعوا النعتَ على اللفظ. قال الشاعر [من الرجز]:
185 - يا مُرَّ يا ابنَ واقع يا أَنتَا ... أنْتَ الّذي طلّقتَ عامَ جُعْتَا
فإذا قلت: "يا إيّاك"، كان تقديرُه: يا إيّاك أعني.
ومن قال: إنّ "إيّاك" مضافٌ على ما يشرح في موضعه، قال: لم ينصب "أنت" لأنه مفرد، ونصب "إِياك" لأنه مضاف. وممّا يدلّ على أنّ أصلَ المنادى النصبُ؛ نَصبُهم المضافَ في قولهم: "يا عبدَ الله"، والمشابِهَ له من نحو "يا خيرًا من زيد"، والمنكورَ من نحو "يا رجلاً"، و"يا راكبًا". والناصبُ له فعلٌ مضمرٌ تقديرُه: أُنادِي زيدًا، أو أُريد، أو أَدْعو، أو نحو ذلك. ولا يجوز إظهارُ ذلك، ولا اللفظ به, لأن "يا" قد نابت عنه؛ ولأنّك إذا صرّحتَ بالفعل، وقلتَ: "أُنادي"، أو"أريد"، كان إخبارًا عن نفسك، والنداءُ