فكأنّه قال: "أعُوذُ عائذًا بك"، و"أتقوم قائمًا، وأتقعُد قاعدًا". وحَذَفَه استغناءً، وقد أنكره بعضُ النحويّين، وقال: الفعلُ لا يعمل في اسم الفاعل إذا كان حالاً من لفظِ الفعل لعَدَمِ الفائدة، إذ قد علم أنّه لا يقوم إلَّا قائمًا، ولاَ يقعد إلَّا قاعدًا, لأنّ الفعل قد دلّ عليه، وإذا ورد شيءٌ من ذلك فتأوُّلُه بالمصدر، فيكون تقديرُ "عائذًا"، و"قائمًا" و"قاعدًا" إذا جعلتَ العاملَ "أعوذُ"، و"تقومُ"، و"تقعدُ" بتقديرِ "عِياذٍ" و"قِيام" و"قُعُودٍ"، وهو رأيُ أبي العبّاس. والذي قدّره سيبويه لا يمتنع لأنّ الحال قد يرِدُ مؤكِّدًا كما يرد المصدرُ مؤكِّدًا، وإن كان الفعلُ قد دلّ على ما دلّ عليه اسمُ الفاعل. قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} (?)، فذكر "رسولاً" وإن كان الفعلُ قد دلّ عليه على سبيلِ التوكيد.
واعلمْ أنّه لا يجوز إضمارُ الفعل الدالِّ على الحال إلَّا أن تكون الحالُ مشاهَدة تدلّ عليه. لو قلتَ مبتدِئًا من غيرِ حال تدلّ عليه: "قائمًا"، أو "قاعدًا" كما تقول في المصدر: "قِيامًا يا زيدُ" لم يجز, لأنّ المصدر مأخوذٌ من لفظِ الفعل، فهو دالُّ على فعل معيَّن، وليس كذلك الحالُ لأنّه لا يدلّ على فعلٍ مخصوصٍ, لأنّه يجوز أن تقول: "ثَبَتَ قائمًا"، أو "جاءَ قائمًا"، أو "ضَحِكَ قائمًا". وإنّما جاز أن تقول: "أقائمًا وقد قعد الناسُ" لِما شُوهد منه من أماراتِ القيام، والتأهُّبِ له، حتّى صار بمنزلةِ الذي رآه في حال قيام وقعودِ، وكذلك "عائذًا بك" كأنّه رأى شيئًا يُتّقى، فصار عند نفسه في حالِ استعاذته، فقال: "عائذًا بك"، كأنّه قال: "أعوذُ عائذًا بك". وإذا ذكرتَ شيئًا من هذا