جعلها نفسَ الإقبال والإدبار مبالغةً وتوسّعًا، فالرفع في ذلك كلِّه على ما ذكرتُ لك، والنصبُ على تقديرِ فعل مضمر لا يظهَر، إذ قد صار المصدرُ بَدَلًا منه، فقولُك: "إنّما أنت سيرًا سيرًا، وما أنت إلَّا قتلًا قتلًا" معناه: تسِير سيرًا سيرًا، وتقتل فتلًا قتلًا.
وقوله: "إلَّا سيرَ البَرِيد، وإلَّا ضربَ الناس، وإلَّا شُرْبَ الإبِل" معناه ما أنت إلا تسِير سيرًا مثلَ سيرِ البريد، وما أنت إلَّا تشرَب شُرْبًا مثلَ شُرْب الإبل، ثمّ حذف الموصوفَ، وأقام الصفةَ مقامَه، ثمّ حذف المضافَ، وهو "مِثْلَ" وأقامَ المضافَ إليه مقامَه على حدِّ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (?)، وهذا الحذفُ، والإضمارُ، وإن كثُر، فهو فاشٍ في كلام العرب مطّرِدٌ؛ وأمّا "ضَرْبَ الناس"؛ فتقديرهُ: ما أنت إلَّا تضرِب الناسَ ضربًا. ويجوز في هذا وحدَه التنوينُ، ونصبُ "الناس" لأنّه مصدرٌ مضافٌ إلى مفعول ولا يكون مضافًا إلى الفاعل لأنّه يصير معناه: يضربه مثل ضربِ الناس، وهو من الناس إلَّا أن يريد أن يضربه الضربَ المعهودَ المتعارَفَ، فحينئذ يكون من قبيلِ "شُرْبِ الإبل" و"سيرِ البريد".
وأمّا قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (?) فالمعنى: فإمّا أن تَمُنُّوا مَنَّا، وإمّا أن تُفادوا فِداء، فهما مصدران منصوبان بفعل مضمر.
وأمّا قولهم: "مررتُ فإذَا له صوتٌ صوتَ حمارٍ" إلخ، فهو منصوبٌ، وفي نصْبه وجهان: