القاف في "قُلْتُ" مضمومةً، وفي "بِعْتُ" مكسورةً بعد أن كانتا مفتوحتين في "قالَ" و"باعَ"، دل ذلك أنّ الفعل متصرّفٌ، وأنه قد حدث فيه لأجل التصرّف حَدَثٌ، وليس كالحرف الذي يلزم طريقًا واحدًا كـ"لَيتَ", ولا كـ"لَيْسَ" الذي لا يراد فيه التصرّفُ. ألا ترى أنْك لو قلت: "قَلْتُ" و"بَعْتُ"، يجري مجرَى "لَسْتُ"، لم تعلم هل الفتحة هى الأصلية، أم المنقولةُ من العين. وأمّا "خِفْتُ"، و"هِبْتُ"، و"طُلْتُ"، فلم يحتاجوا إلى أن ينقلوا بناءها إلى بناء آخر؛ لأنّ حركة العين جاءت مخالفةً لحركة الفاء في أصل الوضع، لأنّ أصلَ "خِفْتُ": "خَوِفْتُ"، وأصل "هِبْتُ": "هَيِبْتُ"، وأصل "طُلْتُ": "طَوُلْتُ"، فنُقلت الضمّة والكسرة الأصلّيتان من العين إلى فاء الفعل، فلم تحتج إلى تغيير البناء.

وزعم أبو عثمان المازنيّ أنهم ينقلون "باعَ" و"قامَ" إلى "بِيعَ" و"قُومَ"، كما ينقلونه في "بِعْتُ" و"قُمْتُ"، إلاّ أنّهم لا ينقلون حركة العين إلى الفاء، كما ينقلونها في "بِعْت" و"قُمْت"، وذلك من قبل أنهم لو نقلوا حركتَها إلى الفاء، لانضمّت في "قامَ"، وانكسرت في "باعَ" وبعدها العينُ ساكنةً، فكان يُلْبس بفعلِ ما لم يسمّ فاعلُه في "بِيعَ زيدٌ" وفي "قُولَ القولُ" على لغةِ من يقول ذلك؛ لأنّ هذا النقل إنّما يريدونه عند حذف العين للدلالة على المحذوف، والفرقِ بين ذوات الواو والياء. فأما إذا أُسند إلى ظاهرٍ فالعينُ ثابتة، ولا محذوف هناك يحتاج إلى الدلالة.

وبعض العرب لا يبالي الالتباسَ، فيقول: "وقد كِيدَ زيدٌ يفعل كذا وكذا"، و"ما زِيلَ يفعل زيدٌ"، يريدون: "كَادَ"، و"زَالَ". قال الأصمعىّ سمعتُ من ينشد [من الطويل]:

1330 - وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يَأكُلْنَ جُثَّتِي ... وكِيدَ خِراشٌ بعد ذلك يَيْتَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015