قال الشارح: اعلم أنّ ما كان ثانيه حرفَ علّة، فإنه قد يعتل بالحذف كما يعتل بالتغيير، والحذفُ يدخله على ثلاثة أضرب: منها التقاء الساكنين، والتخفيف، أو لضرورة الإعلال.
فالأولُ نحو: "قُلْ"، و"قُلْنَ"، والأصل. "تَقُولُ"، فحُذف حرف المضارعة، إذ المواجَهةُ تُغْنِي عن حرفِ خطاب، ثمّ سكن لامُ الفعل للأمر، أو لاتّصال نون جماعة النساء به، نحو: "قُلْنَ"، فالتقى حينئذ ساكنان: اللامُ وحرفُ العلّة، فحُذف حرف العلّة لالتقاء الساكنين على القاعدة. ومثلُه: "بِعْ" و"بَعْنَ"، العلّةُ في الحذف واحدةٌ، إلاّ أنّ "قُلْ" من الواو، و"بِعْ" من الياء، وكذلك "لم يَقُلْ"، و"لم يَقُلْنَ" العين التي هي واو محذوفة لسكونها وسكون اللام بعدها، إلاّ أنّ سكون اللام في "لم يَقُلْ" للجازم، وسكون اللام في "لم يَقُلْنَ" للبناء عند اتّصال نون جماعة النساء به. وكذلك "لم يَبعْ" و"لم يَبِعْنَ"، الحذفُ لالتقاء الساكنين، لا للجزم.
وقوله: "وما كان من هذا النحو في المزيد فيه"، يريد نحو: "أَقامَ"، و"أَباعَ"، و"استقام"، فإنّك إذا أمرتَ منه، قلتَ: "أَقِمْ"، و"أَبِعْ"، و"أَقِمْنَ"، و"أَبِعْنَ"، و"اسْتَقِمْ"، و"اسْتَقِمْنَ". لا فرقَ في ذلك بين المجرّد من الزيادة والمزيد فيه، إذ العلّةُ واحدة، وهي التقاء الساكنين.
وأمّا ما حُذف لضرب من التخفيف، نحو قولهم في "سَيِّدٍ": "سَيْدٌ"، وفي "هَيِّنٍ": "هَيْنٌ"، و"كَينُونَةٌ"، و"قَيْلُولَةٌ"، و"قَيدُودَةٌ"، فالأصل: "سَيْوِدٌ" و"مَيْوِتٌ"، على زنةٍ "فَيعِلٍ" بكسر العين، هذا مذهبُ أصحابنا، وقد تقدّم الكلامُ عليه، فأعلّوها بأن قلبوا الواو ياءً. ولمّا أعلّوا العين بالقلب ههنا، أعلّوها بالحذف أيضًا تخفيفًا لاجتماع يائَيْن وكسرة، فقالوا: "سَيْدٌ"، و"مَيْتٌ"، و"هَيْنٌ". والذين قالوا: "مَيْتٌ" هم الذين قالوا: "مَيِّتٌ"، وليستا لغتَيْن لقَوْمَيْن. قال الشاعر [من الخفيف]:
1329 - ليس مَن ماتَ فاستراحَ بمَيْتٍ ... إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْياءِ