وإنّما هو بمنزلةِ "أَثلجتُ"، في "أوْلَجْتُ"، ولا يقاس عليه فيقالَ في "أَوْغَلْتُ": "أَتْغَلْتُ"، وإانّما بابُ ذلك الشعرُ ضرورةَ. وأنشد الفرزدق [من الكامل].

راحتْ بمَسْلَمَةَ البِغالُ عَشِيّةً ... فَارْعَيْ فَزارةُ لا هَناكِ المَرْتعُ (?)

الشاهد فيه قلبُ هذه الهمزة ألفًا، والقياسُ أن تجعل بين بين، لكنّه لمّا لم يَتّزن له البيتُ بحرف متحرّك، أبدل منها الألفَ ضرورةً. وهذا أحدُ ما يدلّ على أنّ همزة بين بين متحرّكةٌ، وليست ساكنة كما زعم الكوفيون (?). وممّا يدل أنّها متحرّكةٌ قول الشاعر [من الطويل]:

1249 - أَأَن زُمَّ أَجْمالٌ وفارَقَ جيرَةٌ ... وصاحَ غرابُ البَيْنِ أنتَ حَزِينُ

فالهمزة ها هنا بين بين, لأنّه لا يُجمع بين همزتَين محقّقتين، فلو كانت الهمزة هاهنا ساكنةً، لانكسر البيت, لأنه لا يُجْمَع في الشعر بين ساكنين إلّا في قَوافٍ مخصوصة. يقول هذا حين عُزل مَسْلَمَةُ بن عبد الملك عن العراق. ومن ذلك قول حسّان [من البسيط]:

سالتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تصِبِ (?)

الشاهد فيه قوله: "سالت"، والمراد: سَأَلَتْ بالهمزة، ولا يقال: إن "سَالَ يَسالُ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015