كأنّهم أرادوا زيادةَ علم الإنكار للبيان والإيضاح، فزادوا "إنْ" أيضًا توكيدًا لذلك المعنى، وذلك قولك في جواب "ضربتُ زيدًا": "زيدًا إنِيهْ"، بقّيت الاسمَ على حاله من الإعراب، وزدتَ بعده "إن" لما ذكَرناه، ثُمّ كسرتَ النون لالتقاء الساكنين على حدّ الكسر في التنوين، فحرفُ المدّ زائدٌ للإنكار، و"إن" لتأكيده، والهاءُ لبيان حرف المدّ، وحرفُ المدّ في الأوّل للإنكار، والهاءُ للوقف، فلذلك قال صاحب الكتاب: هذه الزيادة على طريقين، فاعرفه.
قال صاحب الكتاب: ولها معنيان: أحدهما إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب, والثاني إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر, كقولك لمن قال: "قدم زيدٌ": "أزيدنيه؟ "، منكراً لقدومه أو لخلاف قدومه, وتقول لمن قال: "غلبني الأمير": "آلاميروه؟ " قال الأخفش: كأنك تهزأ به وتنكر تعجبه من أن يغلبه الأمير. قال سيبويه (?): وسمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية, فقال: "أأنا إنيه؟ " منكراً لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج.
* * *
قال الشارح: قد تقدّم شرح ما في هذا الفصل فيما قبله بما أغنى عن إعادته هنا، وقوله: "آلأميرُوه؟ " الألف ممدودة؛ لأنّ همزة الاستفهام لمّا كانت مفتوحة، ودخلت همزةَ لام التعريف، وكرهوا حذفَها لئلاّ يلتبس الخبر بالاستخبار، قلبوا الثانية، وأقرّوها كما في قوله تعالى: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} (?)، وقوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (?). وحرفُ الإنكار واوٌ لانضمام الراء قبلها، والهاءُ ساكنة لأنّها للسكت.
فأمّا ما حكاه سيبويه من قول البَدَويّ حين قيل له: "أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ " فقال: "أأنَا إنِيه؟ " فجاء على المعنى؛ لأنّ المضمر للفاعل في "تخرج"