المراد: كان الشأنُ والأمرُ الناسُ نصفان.
ومن ذلك قوله: "نِعْمَ رجلًا زيدٌ"، ففي "نِعْم" فاعلٌ مضمرٌ فسّرته النكرةُ بعده، والتقديرُ: "نعم الرجلُ رجلًا زيدٌ"، أي المضمرُ كنايةٌ عن رجلٍ. ومثلُه: "رُبَّهُ رجلًا" أدخل "رُبَّ" على مضمر لم يتقدّم له ذكرُ ظاهرٍ، وفسّره بما بعده؛ ويسمّيه الكوفيون المضمر المجهولَ.
وأمّا حذفُ الفاعل ألبتّة، وإخلاء الفعل عنه، فغيرُ معروف في شيء من كلامهم. فكان ما قلناه، وهو الحملِ على الإضمار بشرط التفسير أوْلَى؛ إذ كان له نظيرٌ من كلام العرب، فكان أقَل مخالفة.
* * *
وقوله: "تُضْمِر في الأوّل اسمَ من ضربك وضربتَه"؛ يريد مضمَر الاسم المذكور؛ لأنّه فاعلٌ ومفعولٌ من جهة المعنى؛ إذ كان ضاربًا ومضروبًا. ولذلك يُترجَم بباب الفاعلَيْن والمفعولَيْن اللذَيْن يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثلَ ما يفعل به الآخرُ. فإذَا قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا"، أضمرت في الأوّل اسمَ "زيد" الذي فَعَل بك من الضرب مثلَ ما فعلتَ به. فأمّا البيت الذي أنشده، وهو من أبيات الكتاب، لطُفَيْل الغَنَويّ [من الطويل]:
وكُمْتًا مُدَمّاةً كأنّ مُتونَها ... جَرَى فَوْقَها واستَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
فشاهدٌ على إعمال الثاني، وهو اختيارُ سيبويه، نصب "اللونَ" بـ "استشعرت"، وأضمر في "جَرَى" فاعلًا دلّ عليه "لونُ مذهب". ولو كان أعمل الأولَ، لَرَفَعَ اللونَ