به، ما فيه مَقْنَعٌ. وإذا كان الفاعل كالجزء من الفعل، وجب أن يترتّب بعده. ولهذا المعنى لا يجوز أن يتقدّم عليه، كما لا يجوز تقديمُ حرفٍ من حروفِ الكلمة على أوّلها. ووجب تأخيرُ المفعول من حيث كان فَضْلَةً، لا يتوقّف انعقادُ الكلام على وجوده؛ فإذا رُتْبَةُ الفعل يجب أن يكون أوّلًا، ورتبةُ الفاعل أن يكون بعده، ورتبةُ المفعول أن يكون آخرًا. وقد تقدّم المفعول لضرب من التوسّع والاهتمامِ به، والنيّةُ به التأخيرُ. ولذلك جاز أن يقال: "ضرب غلامَه زيدٌ" فـ "الغلامُ" مفعول، وهو مضافٌ إلى ضمير الفاعل، وهو بعده متأخرٌ عنه، فهو في الظاهر إضمارٌ قبل الذكر. لكنّه لمّا كان مفعولًا، كانت النيةُ به التأخير؛ لأنّه لمّا وقع في غير موضعه، كانت النيّة به التأخيرَ إلى موضعه، ويكون الضميرُ قد تقدّم في اللفظ دون المعنى، وذلك جائزٌ.
ولو قلت: "ضرب غلامُه زيذًا"، برفع "الغلام"، مع أمَّه متّصلٌ بضمير المفعول، لكان ممتنعًا؛ لأن الضمير فيه قد تقدّم على الظاهر لفظًا ومعنى, لأنّ الفاعل وقع أولًا وهي مرتبته، والشيء إذا وقع في مرتبته، لا يجوز أن يُنْوَى بها غيرها. وقد أقدم أبو الفَتْح بن جِني على جواز مثل ذلك، وجعله قياسًا؛ قال: "وذلك لكثرةِ ما جاء من تقديم المفعول على الفاعل، حتى صار تقديمُ المفعول كالأصل"، وحمل عليه قول الشاعر [من الطويل]:
121 - جَزَى رَبُّهُ عَني عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ ... جَزاءَ الكِلابِ العاوِياتِ وقد فَعَلْ
وذلك خلا فُ ما عليه الجمهورُ، والصوابُ أن تكون الهاء عائدةً إلى المصدر، والتقديرُ: "جزى ربُّ الجزاء"، وصار ذكرُ الفعل كتقديم المصدر، إذ كان دالاً عليه. ومثله قولهم: "من كذبَ كان شَرًّا له"، أبي: كان الكِذْبُ شرًّا له. وبعضهم يقول: