واعلم أنها إذا خَلَتْ من واوٍ داخلةٍ عليها، كانت عاطفةً نافيةً، كقولك: "جاء زيدٌ لا عمرٌو". فإذا دخلت عليها الواو نحوَ قوله تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} (?)، وقوله سبحانه: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} (?)، تجردت للنفي، واستبدّت الواوُ بالعطف، لأنها مشتركة تارةً تكون نفيًا وتارةً مؤكدةً للنفي. ووجهُ الحاجة إلى تأكيد النفي أنها قد تُوقِع إبهامًا بدخولها لِمَا سبق إلى النفس في قولك: "ما جاء زيدٌ وعمرو" من غير ذكرِ "لا". ودْلك أنك دللت بها حين دخلتِ الكلامَ على انتفاء المجيء منهما على كل حال مصطحبَين ومفترقَيْن. ومع عدمها كان الكلام يُوهِم أن المجيء انتفى عنهما مصطحبين، فإنّه يجوز أن يكون مجيئهما وقع على غير حال الاجتماع، فالواوُ مستبِدّةٌ بالعطف؛ لأنه لا يجوز دخول حرف العطف على مثله، إذ من المحال عطفُ العاطف.
فإن قيل: فهل يجوز العطف بـ "لَيْسَ" لِما فيها من النفي كما جاز بـ "لا"، فتقولَ: "ضربت زيدًا ليس عمرًا؟ قيل: لا يجوز ذلك على العطف, لأنها فعلٌ، وإنما يُعْطَف بالحروف.
فإن قيل: فهل يجوز بـ "ما"؛ لأنها حرفٌ؟ قيل: لا يجوز ذلك بالإجماع، فلا تقول: "ضربت زيدًا ما عمرًا"؛ لأن "ما" لها صدرُ الكلام، إذ كان يُستأنف بها النفيُ كما يُستأنف بالهمزة الاستفهامُ، فلم يُعْطَف بها؛ لأن لها صدر الكلام كالاستفهام. وحرفُ العطف لا يقع إلا تابعًا لشيء قبله، فلذلك من المعنى لم يجز أن يعمل ما قبلها فيما بعدها، كما لم يجز ذلك في الاستفهام.
وأمّا "بَل"، فللإضراب عن الأول وإثباتِ الحكم للثاني، سواءٌ كان ذلك الحكم إيجابًا أو سَلْبًا، تقول في الإيجاب: "قام زيدٌ بل عمرو"، وتقول في النفي: "ما قام زيد بل عمروٌ"، كأنك أردت الإخبار عن عمرو، فغلطتَ، وسبق لسانُك إلى ذكر "زيد"،