ذلك ما ذهب إليه أبو عثمان المازني في قولهم: خرجتُ فإذَا زيدٌ قائمٌ": أنّ الفاء زائدة. ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل]:
وقائِلَةٍ خَولانُ فانْكِحْ فَتاتَهمْ ... وأكْرُومَةُ الحَيينِ خِلْوٌ كما هِيَا (?)
قالوا: الفاء فيه زائدة؛ لأنه في موضع الخبر، وسيبويه (?) لا يرى ذلك، ويتأوّل ما جاء من ذلك ممّا يرده إلى القياس.
وأمّا ثُمّ"، فهي كالفاء في أن الثاني بعد الأوّل، إلَّا أنها تفيد مهلهً وتَراخيًا عن الأول، فلذلك لا تقع مواقعَ الفاء في الجواب، فلا تقول: "إنْ تُعْطِنِي ثم أنا أشكرُك"، كما تقول: "فأنا أشكرُك"؛ لأن الجزاء لا يَتراخى عن الشرط. فعلى هذا تقول: "ضربتُ زيداً يومَ الجمعة، ثم عمرًا بعد شهرٍ"، و"بعث اللهُ آدمَ ثم محمدًا"، صلى الله عليهما وسلم. ولا تقول مثلَ ذلك في الفاء؛ لأنه لما تراخى لفظها بكثرة حروفها تراخى معناها؛ لأن قوّة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى.
والكوفيون أيضًا يرون زيادةَ "ثم" كزيادة الفاء والواو عندهم. قال زهَيْر [من الطويل]:
1134 - أرانى إذا ما بِتُ بِتُّ على هَوى ... فَثم إذا أصبحتُ أصبحتُ غادِيا