والجونة: الخابئة المَطلية بالقار. وقُدحت: غرفُت، وقيل: مُزجت، وقيل: بُزلت.
وفضّ ختامها: أي كسر طِينها. ومعلوم أنه لا يُقَدَح إلَّا بعد فضّ ختامها. مع أنا نقول أنها لو كانت الواو للترتيب؛ لكانت كالفاء، فلو كانت كالفاء؛ لوقعتْ موقعَها في الجزاء، وكان يجوز أن تقول: "إن تُحسِنْ إليّ واللهُ يُجازِيك"، كما تقول: "فالله يجازيك". فلما لم يجز ذلك؛ دلّ على ما قلناه. فأمّا ما حكاه سيبويه، وذلك أته قد منع في عدةِ مواضع من كتابه، منها في هذا الباب، قال (?): تقول: "مررت برجلٍ وحمارٍ"، فالواو أشركت بينهما، فلم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه على الحمار، إذ لم تُرِد التقديم في المعنى وإنما هو شيء في اللفظ، كقولك: "مررت بهما". ولهذا قال (?): وليس في هذا دليل على أنه بدأ شيءٌ قبل شيء.
وقال قوم: إنها ترتيب، واستدلوا بما رُوي عن ابن عباس أنه أمر بتقديم العُمرة، فقال الصحابة: لِمَ تأمرنا بتقديم العمرة وقد قدّم الله الحَج عليها في التنزيل؟ فدلّ إنكارهُم على ابن عباس أنهم فهموا الترتيب من الواو. وكذلك لما نُزل قوله تعالى. {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (?) قال الصحابة: بِمَ نبدأ يا رسولَ الله؟ فقال: ابدؤوا بما بدأ الله بذِكره. فدل ذلك على الترتيب. وزوي أن بعض الأعراب قام خطيبًا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال في خُطبته: "من أطاع الله ورسولَه؛ فقد رشد، ومن عصاهم؛ فقد غَوَى" (?). فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بئس خطيبُ القوم أنتَ، هلا قلت ومن عصى الله ورسولَه. قالوا: فلو كانت الواو للجمع المطلق، لَمَا افترق الحال بين ما علمه الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبين ما قال.