أن "الرجل" ليس مكانًا للعيب في الحقيقة، ولا اليد مكانًا للدار. وتقول: "أتيته في عُنفُوانِ شَبابه، وفي أمْره ونَهْيِه"، فهو تشبيةٌ، وتمثيلٌ، أي: هذه الأُمور قد أحاطت به.

وكذلك: "نَظَرَ في الكتاب"، و"سَعَى في الحاجة"، جعل "الكتاب" مكانًا لنَظَره، و"الحاجة" مكانًا لسَعْيه، إذ كان مختصًّا بها. ومن ذلك قولهم: "في هذا الأمر شَكٌّ"، جُعل "الأمر" كالمكان لاشتماله على الشكّ. ومنه قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} (?) رَاجعٌ إلى ما ذكرنا، أي: شكّ مختصٌّ به، وإنّما أُخرج على طريق البلاغة هذا المُخْرَجَ، فكأنّه قيل: "أفي صفاته شكٌّ؟ " ثمَّ أُلغيت الصفات للإيجاز. وإنما قلنا هذا، لأنه لا يجوز عليه سبحانه تشبيةٌ لا حقيقةً، ولا بلاغةً، ولهذا كان على تقديرِ: أفي صفاته الدالّةِ عليه شك.

وأما قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (?)، فليست في معنى "عَلى" على ما يظنّه مَن لا تحقيقَ عنده، وإنّما لمّا كان الصلب (?) بمعنى الاستقرار والتمكّن، عُدّي بـ "في" كما يُعدَّى الاستقرار، فكما يُقال: "تمكّن في الشجرة"، كذلك ما هو في معناه، نحوُ قول الشاعر [من الكامل]:

1071 - بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه في سَرْحَةٍ ... يُحْذَى نِعالَ السِّبْتِ ليس بتَوْأمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015