فإن قيل: ولِمَ قلتم: إِن أصلها الغاية، وِإنها في العطف محمولة على الواو؟ فالجواب: إنّما قلنا إن أصلها الجرّ؛ لأنها لما كانت عاطفةً، لم تخرج عن معنى الغاية. ألا ترى أنك إذا قلت: "جاءني القوم حتى زيدٍ" بالخفض؛ فزيدٌ بعضُ القوم، ولو جعلتَ "حَتى" عاطفة؛ لم يجز أن يكون الذي بعدها إلَّا بعضا للّذي قبلها. وهذا الحكمُ تقتضيه "حَتَّى" من حيث كانت غايةً على ما تقدّم بيانُه. ولو كان أصلها العطفَ، لجاز أن يكون الذي بعدها من غير نوع ما قبلها، كما تكون الواو كذلك. ألا ترى أنه يجوز أن تقول: "جاءني زيدٌ وعمرٌو"، ولا يجوز أن تقول: "جاءني زيد حتى عمرٌو"، كما لا يجوز ذلك في الخفض، فدلّ ما ذكرناه على أن أصلها الغايةُ.

فإن قيل: فمن أين أشبهت "حَتَّى" الواوَ حتى حُملت عليها؟ قيل: لأن أصل "حَتَّى"، إذا كانت غايةً، أن يكون ما بعدها داخلًا في حكم ما قبلها، كقولك: "ضربتُ القوم حتى زيدًا" (?)، فـ "زيد" مضروب مع القوم كما يكوَن ذلك في قولك: "ضربت القومَ وزيدًا". فلمّا اشتركا فيما ذكرنا، حُملت على الواو.

وأمّا القسم الثالث: فأن تكون حرفًا من حروف الابتداء ليستأنف بعدها الكلامُ، ويُقْطَعَ عمّا قبله كما يستأنف بعد "أمَّا"، و"إذا" التي للمفاجأة، و"إنَّمَا"، و"كَأنَّمَا"، ونحوها من حروف الابتداء، فيقع بعدها المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، من نحو قولك: "سرّحتُ القومَ حتى زيدٌ مُسَرَّحٌ " و"أجلست القومَ حتى زيدٌ جالسٌ ". قال جرير [من الطويل]:

1068 - فما زالتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِماءَها ... بدِجْلَةَ حتى ماءُ دجلةَ أشكَلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015