تعالي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (?)، أي: بعضَها، ومنه: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (?). قال أبو العبّاس المبرّد: وليس هو كما قال سيبويه عندي، لأن قوله: "أخذت من ماله" إِنَّما جعل ماله ابتداءَ غايةِ ما أخذ، فدلّ على التبعيض من حيث صار ما بقي انتهاءً له، والأصلُ واحد.

وكونها لتجيين الجنس، كقولك: "ثوبٌ من صُوفٍ"، و"خاتمٌ من حديدٍ". وربما أوهم هذا الضربُ التبعيضَ، ولهذا قلنا: إِنّ مَرْجِعَها إلى شيء واحد. ومنه قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (?). وذلك أنّ سائر الأرجاس يجب أن تُجتنب، وبين المقصودَ بالاجتناب من أيّ الأرجاس، واعتبارُه أن يكون صفة لِما قبله، وأن يقع موقعَه "الَّذِي"، ألا ترى أن معناه: فاجتنبوا الرجسَ الذي هو وثنٌ. وقد حمل بعضُهم الآية على القلب، أي: الأوثان من الرجس. وفيه تعسّفٌ من جهة اللفظ، والمعنى واحدٌ. وقد قيل في قول سيبويه: "هذا باب عِلْمِ ما الكَلِمُ من العَرَبيّة" (?) أنّه من هذا الباب؛ لأن الكلم قد تكون عربية، وغير عربية، فبَئنَ جنسَ الكلم بأنّها عربيّةٌ.

وتكون "مِنْ" زائدة، كقوله [من البسيط]:

وما بالرَّبْع مِن أحدِ (?)

وإنما تزاد في النفي مُخلَّصة للجنس، مؤكّدةً معنى العموم، وقد اشترط سيبويه (?) لزيادتها ثلاثةَ شرائط:

أحدها: أن تكون مع النكرة.

والثاني: أن تكون عامّة.

والثالث: أن تكون في غير الموجَب، وذلك نحوُ: "ما جاءني من أحدٍ". ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: "ما جاءني من أحد"، وبين قولك: "ما جاءني أحدٌ"؛ لأن "أحدًا" يكون للعموم. فأمّا قولك: "ما جاءني من رجل"، فقال الأكثر: لا تكون زائدة على حد زيادتها مع "أحد"؛ لأنها قد أفادت استغراق الجنس، إذ قد يُقال: "ما جاءني رجل"، ويُراد به نفيُ رجل واحد من هذا النوع، وإذا قال: "من رجل" استغرق الجميعَ. وعندي يجوز أن يُقال: "ما جاءني من رجل"، على زيادةِ "مِنْ"، كما يكون كذلك في "ما جاءني من أحد". وذلك أنّه كما يجوز أن يُقال: "ما جاءني رجلٌ"، ويُراد به نفيُ واحد من النوع، كذلك يجوز أن يُقال: "ما جاءني رجلٌ"، ويُراد به نفي الجنس، كما تنفيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015