فلمّا كانت هذه الحروف عاملة للجرّ، من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعُفت عن وُصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها كما يُفْضِي غيرُها من الأفعال القوية الواصلة إلى المفعولين بلا واسطةِ حرف الإضافة، ألا تراك تقول: "ضربتُ عمرًا"، فيُفْضِي الفعلُ بعد الفاعل إلى المفعول، فينصب, لأن في الفعل قوّةً أفضتْ إلى مباشرة الاسم. ومن الأفعال أفعالٌ ضعُفت عن تجاوُز الفاعل إلى المفعول، فاحتاجت إلى أشياءَ تستعين بها على تناوُله والوصول إليه، وذلك نحوُ: "عجبتُ"، و"مررت"، و"ذهبت". لو قلت "عجبت زيدًا"، أو "مررت جعفرًا"، أو "ذهبت محمّدًا"، لم يجز ذلك لضعف هذه الأفع الذي العُرْف والاستعمال عن إفضائها إلى هذه الأسماء. على أن ابن الأعرابيّ قد حكى عنهم: "مررت زيدًا"، كأنه أعمله بحسب اقتضائه، ولم ينظر إلى الضعف، وهو قليل شاذّ. وأنشدوا [من الوافر]:
1066 - تَمُرّون الديارَ ولم تَعُوجُوا ... كلامُكُمُ عَلَيَّ إذًا حَرامُ