قال الشارح: اعلم أنّ "نعم"، و"بئس"، فعلان ماضيان، فـ "نعم" للمدح العامّ، و"بئس"، للذم العام. والذي يدلّ أنهما فعلان أنك تُضمِر فيهما، وذلك أنه إذا قلت: "نعم رجلًا زيدٌ". و"نعم غلامًا غلامُك" لا تضمر إلّا في الفعل. وربّما برز ذلك الضمير واتصل بالفعل على حدّ اتصاله بالأفعال. قالوا: "نِعْما رجلَيْن"، و"نِعْمُوا رجالاً" كما، تقول: "ضربا"، و"ضربوا". حكى ذلك الكسائيّ عن العرب. ومن ذلك أن تلحقها تاءُ التأنيث الساكنةُ، وصلاً ووقفًا كما تلحق الأفعالَ، نحوَ: "نِعْمَتِ الجاريةُ هندٌ"، و"بِئْسَتِ الجاريةُ جاريتُك"، كما تقول: "قامت هندٌ"، و"قعدت". وأيضًا فإنّ آخِرهما مبنيّ على الفتح من غيرِ عارض عرض لهما، كما تكون الأفعال الماضية كذلك، إلّا أنهما لا يتصرّفان، فلا يكون منهما مضارع، ولا اسمُ فاعل. والعلّةُ في ذلك أنهما تضمّنا ما ليس لهما في الأصل. وذلك أنهما نُقلا من الخبر إلى نفس المدح والذمّ، والأصل في إفادة المعاني إنما هي الحروف، فلمّا أفادت فائدةَ الحروف، خرجت عن بابها، ومُنعت التصرّفَ كـ"لَيسَ"، و"عسى". هذا مذهب البصريين والكسائي من الكوفيين، وذهب سائر الكوفيين (?) إلى أنهما اسمان مبتدآن، واحتجّوا لذلك بمفارَقتهما الأفعالَ بعدم التصرّف، فإنّه قد تدخل عليهما حروف الجرّ، وحكوا: "ما زيد بنِعمَ الرجلُ"، وأنشدوا لحَسان بن ثابت [من الطويل]:

1039 - ألَستُ بنِعْمَ الجارُ يُؤْلَفُ بَيتُه ... أخا قِلَّةٍ أو مُعْدِمَ المالِ مُضرِما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015