قال الشارح: قد اضطربت آراءُ الجماعة في هذه الآية، فمنهم مَن نظر إلى المعنى، وأعرض عن اللفظ، وذلك أنه حمل الكلام على نفي المقاربة, لأنّ "كاد" معناها "قارَبَ"، فصار التقدير: لم يُقارِب رُؤْيَتَها، وهو اختيار الزمخشريّ. والذي شجّعهم على ذلك ما تضمّنته الآيةُ من المبالغة بقوله: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} (?). ومنهم من قال: التقدير: لم يَرَها، ولم يكد. وهو ضعيف؛ لأنّ "لَمْ يَكَدْ" إن كانت على بابها، فقد نُقض أوّلُ كلامه بآخره، وذلك أن قوله: "لم يرها" يتضمّن نفي الرؤية، وقوله: "ولم يكد" فيه دليلٌ على حصول الرؤية، وهما متناقضان. ومنهم من قال: إنّ "يكد" زائدةٌ، والمراد: لم يرها، وعليه أكثر الكوفيين. والذي أراه أنّ المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويَأسٍ من رؤيتها. والذي يدلّ على ذلك قول تأبّط شرًا [من الطويل]:

فأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كدتُ آئِبًا (?)

والمراد: ما كِدتُ أؤُوبُ، كما يُقال: "سلمتُ وما كدتُ أسْلَمُ". ألا ترى أن المعنى: أنه آبَ إلى فهم، وهي قبيلةٌ، ثمّ أخبر أنّ ذلك بعد أن كاد لا يؤوب؟ وعلّةُ ذلك أنّ "كادَ" دخل لإفادة معنى المقاربة في الخبر، كما دخلت "كانَ" لإفادة الزمان في الخبر. فإذا دخل النفي على "كاد" قبلها كان أو بعدها، لم يكن إلّا لنفي الخبر، كأنك قلت: "إذا أخرج يده يكاد لا يراها"، فـ"كاد" هذه إذا استُعملت بلفظ الإيجاب، كان الفعل غيرَ واقع، وإذا اقترن بها حرفُ النفي، كان الفعل الذي بعدها قد وقع، هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015