والوجه الرابع: أن تكون بمعنى الشَأْن والحديثِ، وذلك قولك: "كان زيدٌ قائمٌ"، ترفع الاسمَيْن معًا. قال الشاعر [من الطويل]:

إذا مُتّ كان الناسُ نِصْفان: شامِتٌ ... وآخَرُ مُثْنٍ بالذي كنتُ أصْنَعُ (?)

يروى: نصفان، ونصفَيْن، فمن نصب، جعلها الناقصة، ومن رفع جعلها بمعنى الشأن والحديث.

وعادةُ العرب أن تُصدِّر قبل الجملة بضمير مرفوع، ويقع بعده جملةٌ تُفسِّره، وتكون في موضع الخبر عن ذلك المضمر، نحوَ قولك: "هو زيد قائمٌ"، أي: الأمرُ زيدٌ قائمٌ. وإنما يفعلون ذلك عند تفخيم الأمر وتعظيمه. وأكثرُ ما يقع ذلك في الخُطَب والمَواعظ؛ لِما فيها من الوعد والوعيد، ثمّ تدخل العواملُ على تلك القضيّة، فإن كان العامل ناصبًا، نحوَ "إنَّ" وأخواتها، و"ظننت" وأخواتها؛ كان الضمير منصوبًا، وكانت علامته بارزةٌ، نحوَ قولك: "إنّه زيد قائمٌ"، فتكون الهاء ضمير الشأن والحديث. وبرز لفظُها؛ لأنها منصوبة، والمنصوبُ يبرز لفظه، ولا يستتر. قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} (?). وربّما جعلوا مكان الأمر والحديث القصّةَ، فأنّثوا، فيقولون: "إنّها قامت جاريتُك". قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} (?). وأكثرُ ما يجيء إضمارُ القصة مع المؤنّث، وإضمارُها مع المذكر جائزٌ في القياس. وتقول: "ظننتُه زيد قائمٌ"، والمراد: ظننت الأمرَ والحديثَ زيد قائمٌ، فالهاء المفعول الأوّل، والجملة المفعول الثاني. فإذا دخلتْ "كانَ" عليه صار الضمير فاعلًا، واستتر, لأنّ الفاعل متى كان مضمرًا واحدًا لغائب، لم تظهر له صورة، وتقع الجملة بعده للخبر. وهي كالمفسّرة لذلك الضمير، ويسمّيه الكوفيون الضمير المجهول؛ لأنه لا يعود إلى مذكور. وكان الفرّاء يجيز "كان قائمًا زيد" و"كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015