من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس. ويجيئان معرفتين معاً، ونكرتين, والخبر جملة ومفرداً وجملة بتقاسيمها.

* * *

قال الشارح: اعلم أنه إذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة، فالذي يُجْعَل اسم "كانَ" المعرفةُ؛ لأن المعنى على ذلك؛ لأنه بمنزلة الابتداء والخبر، ألا ترى أنك إذا قلت: "كان زيدٌ قائمًا"، فـ"قائمٌ" هنا خبرٌ عن الاسم الذي هو"زيد"، كما كان في الابتداء كذلك.

وقولُ النحويين: خبرُ "كان" إنما هو تقريبٌ وتَيْسِيرٌ على المبتدىء، لأن الأفعال لا يُخْبَر عنها. ولو قلت: "كان رجل قائمًا"، أو"كان إنسانٌ قائمًا"، لم تُفِد المخاطبَ شيئًا؛ لأن هذا معلومٌ عنده أنه قد كان، أو قد يكون، والخبر موضوعٌ للفائدة. فإذا قلت: "كان عبدُ الله"، فقد ذكرت له اسمًا يعرفه، فهو يتوقع الفائدةَ فيما تُخْبِر به عنه، ولذلك لَو قرّبتَ النكرة من المعرفة بالأوصاف، لجاز أن تُخْبِر عنها؛ لأن فيها فائدة، وذلك نحو قولك: "كان رجل من بني تميم عندي"؛ لأن هذا ممّا يجوز أن لا يكون، فيجوز ها هنا كما يجوز في الابتداء، نحو قولك: "رجلٌ من بني تميم عندي"؛ لأنه بالصفة قد تخصّص، فقَرُب من المعرفة.

وربّما اضطُرّ شاعرٌ فقلب، وجعل الاسم نكرة، والخبر معرفة. وإنما حَمَلَهم على ذلك معرفتُهم أن الاسم والخبر يرجعان إلى شيء واحد، فأيّهما عرّفتَ تَعرّفِ الآخرُ. وهذا معنى قول صاحب الكتاب: "الذي شجّعهم على ذلك أمْنُ الإلباس".

فأما الأبيات التي أنشدها شاهدة على صحة الاستعمال، فمن ذلك قوله [من الوافر]:

قِفِي قبل التفرّق يا ضُباعَا ... ولا يَكُ مَوقِفٌ مِنْكِ الوَداعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015