قال صاحب الكتاب: وقد أجرت العرب "عدمت", و"فقدت" مجراها, فقالوا عدمتني وفقدتني. وقال جران العود [من الطويل]:
1006 - لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح
ولا يجوز ذلك في غيرهما فلا تقول شتمتني ولا ضربتك، ولكن شتمت نفسي وضربت نفسك.
* * *
قال الشارح: قد أجرت العرب "عدمت"، و"فقدت" مجرى "ظننت" ونحوه من الأفعال التي يجوز إلغاؤُها فيما حكاه الفراء، فيقولون: "عدمتُني"، و"فقدتُني". وذلك لأنّ معناهما يؤول في التحصيل إلى معناها. ألا ترى أن معنَى "عدمت الشيءَ: علمتُه" غيرَ موجود. وإذ كانا في معنى العلم، أُجريا مجراها مع أن النّظَر يُحِيل "عدمتُني". ألا ترى أنك إذا قلت: "عدمتني"، فمعناه علمتُني غيرَ موجود، ومحالٌ أن تعلم شيئًا، وأنت غير موجود؛ لأنك إذا علمت كنت موجودًا، وصحّتُه على الاستعارة، وأصلُه: عَدِمَني غيري، وإنما استُعير إلى المتكلّم، وأما قوله [من الطويل]:
لقد كان لي عن ضرّتين ... إلخ
وبعده:
هما الغُولُ والسّعْلاةُ حَلْقِيَ منهما ... مُخدّشُ مابَيْنَ التراقِي مُكَدّحُ
الشاهد فيه "عدمتني" باتحاد الضميرين المتّصلين، والمعنى: أنه كان له امرأتان ضَرَبَهما، فخدّشتا وجهَه، والضرّتان: المرأتان، فاعرفه.