قال الشارح: اعلم أنه قد دخل الفعل المضارع بين الشرط والجزاء، ويكون على ضربَيْن: أحدهما: مرفوع لا غير، والآخر: يدخل بين المجزومَين، وتكون أنت مخيّرًا بين الجزم على البدل من الأوّل، وبين الرفع على الحال. فأما ما يكون رفعًا لا غير فأن يكون الفعل الداخل بين المجزومين ليس في معنى الفعل، فلا يكون بدلاً منه، وذلك "إن تأتِنا تسألُنا نُعْطِك"، و"إن يأتِني زيدٌ يضحكُ أُكرِمْه". لا يحسن في ذلك غير الرفع، لأنّ "يضحك" و"تسأل" ليس من الإتيان في شيء، فهو في موضع الحال، كأنه قال: "إن يأتني زيد ضاحكًا"، و"إن تأتني سائلاً". فإن أبدلته منه على أنه بدلُ غَلَط، لم يمتنع، كأنك أردت الثاني، فسبق لسانُك إلى الأول، فأبدلته منه، وجعلت الأول كاللغو على حد "مررت برجل حمار". ولا يكون في الفعل من البدل إلا بدلُ الكل، وبدل الغلط، ولا يكون فيه بدل بعض، ولا اشتمال، ولو قلت: "إن تأتني تمشي أمْشِ معك" جاز أن ترفع "تمشي"، فيكون معناه: "إن تأتني ماشِيًا أمشِ معك"، وجاز أن تجزم على البدل من الأول؛ لأنّ "تأتني" في معنَى "تمشِ" لأنّ المَشْي ضرب من الإتيان والضحكُ والسؤال ليسا من جنس الإتيان. فأما قوله [من الطويل]:
متى تأته تعشو ... إلخ
الشاهد فيه رفعُ "تعشو" على أنه حال، والمراد: متى تأته عاشيًا، أي: قاصدًا في الظلام، يُقال: "عشوتُه" أي: قصدتُه ليلاً، ثمّ اتسع، فقيل لكل قاصد: "عاشٍ. وعَشَوتُ النارَ أعشُو إليها إذا استدللت عليها ببَصَبر ضعيف. تجد خيرَ نار، أي: تجدها مُعَدّة للضيف الطارق. وأما قول الآخر [من الطويل]:
متى تأتنا تلمم ... إلخ