قال الشارح: أمّا قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} (?)، فيجوز أن يكون "تكتموا" مجزومًا بالعطف على لفظِ "لا تلبسوا"، فيُشاركه في إعرابه، ويكون النهيُ عن كلّ واحد منهما، وتقديره: ولا تلبسوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحقّ. ويجوز أن يكون منصوبًا، وحذفُ النون من "تكتموا" علامة النصب، ويكون النهي عن الجمع بينهما على حدّ "لا تأكل السمك وتشربَ اللبن": أي لا تجمعْ بينهما.
وجرت هذه المسالةُ يومًا في مجلس قاضي القُضاة بحَلَبَ، فقال أبو الجرْم المَوْصِلي: لا يجوز النصب في الآية, لأنه لو كان منصوبًا، لكان من قبيل "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، وكان مثله في الحكم يجوز تناوُلُ كل واحد منهما كما يجوز ذلك في "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، فقلتُ: يجوز أن يكون منصوبًا ويكون النهي عن الجمع بينهما، ويكون كل واحد منهما مَنهيًّا عنه بدليل آخر. ونحن إنما قلنا في قولهم: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن": إِنه يجوز تناوُل كل واحد منهما, لأنه لا دليل إلَّا هذا، ولو قدّرنا ثَمَّ دليلاً آخر للنهي عن كل واحد منهما منفردًا، لكان كالآية، فانقطع عند ذلك، وأما قول الشاعر [من الطويل]:
ولا تَشْتُمِ المولى وتَبْلُغْ أذاتَهُ ... فإنّكَ إن تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجهَلِ (?)
فالبيت لجرير، والشاهد فيه جزم "تبلغ" لدخوله في النهي، والمعنى: لا تشتمْه، ولا تبلغ أذاتَه، والمولى هنا ابن العمّ.
وتقول: "زُرْني، وأزُورَك" بالنصب، ولا يجوز الجزم؛ لأنه لم يتقدّم ما تحمله عليه؛ لأنّ الذي تقدّم فعلُ أمر مبني على السكون، فلا يصح عطف المضارع المعرب