ولذلك أجازوا ظهورها بعد "حتى" كظهورها بعد "كي"، والنصبُ عندهم بـ"حتى" كالنصب بـ"أنْ"، فإذا قلت: "لأسِيرَنَّ حتى أن أُصَبِّحَ القادِسيَّةَ"، فهو جائز، والنصب بـ "حتى"، و"أنْ"، توكيد لـ"حتى" كما كانت توكيدًا لـ"كي".

وقال ثعلب قولاً خالف فيه أصحابَه والبصريين، وذلك أنه قال في "جئت لأكرمك"، و"سرت حتى أدخل المدينة": إن المستقبل منصوب باللام و"حتى"، لقيامهما مقام "أنْ "، فخالف أصحابَه, لأنهم يقولون: إن النصب بهما بطريق الأصالة، ولم يوافق البصريين, لأنه يقول: إن النصب بهما لا بمضمر بعدهما.

وما احتجّ به الكوفيون أنهم قالوا: لو كانت اللام الداخلة على الفعل هي اللامَ الخافضةَ، لجاز أن تقول: "أمرتُ بِتُكْرِمَ" على معنَى "أمرت بأن تكرم"، والجواب أن حروف الجرّ لا تتساوى في ذلك, لأنّ اللام قد تدخل على المصادر التي هي أغراض الفاعلين في أفعالهم، وهي شاملة، يجوز أن يسأل بها عن كل فعل، فيقال: "لِمَ فعلت"؟ فيقال: لـ"كذا"؛ لأنّ لكل فاعل غرضًا في فعله، وباللام يخبر عن جميعِ ذلك، و"كَيْ"، و"حَتَّى" في معناها، فكأنها دخلت على "أنْ" والفعل, لأنهما مصدر لإفادةِ "أَنْ" ذلك الغرضَ من إيقاع الفعل المتقدّم، ثم حُذفت "أنْ" تخفيفًا، فصارت هذه الحروف كالعوض منها، ولذلك لا يجوز ظهورُها، وليس ذلك بأوّلِ ما حذف لكثرة الاستعمال.

فإن قيل: ولِمَ كانت "أنْ" أوْلى بالإضمار من سائر الحروف؟ قيل: لأمرَيْن:

أحدهما: إن "أنْ" هي الأصل في العمل، لِما ذكرناه من شَبَهها بـ"أن" المشدّدة، فوجب أن يكون المضمر "أنْ" لقوّتها في بابها، وأن يكون ما حُمل عليها يلزم موضعًا واحدًا، ولا يتصرّف.

والأمر الآخر: أن لها من القوّة والتصرْف ما ليس لغيرها، ألا ترى أنّ "أنْ" يليها الماضي والمستقبل بخلاف أخواتها، فإنّها لا يليها إلَّا المستقبل؟ فلمّا كان لها من التصرّف ما ذُكر، جُعلت لها مزيّة على أخواتها بالإضمار، فاعرفه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015