يقوم" أن يُقال: "قائمًا" وفي "جعل يضرب": "ضاربًا"، وفي "طلق يأكل": "آكلًا"، وإنما عُدل عن الاسم إلى لفظ الفعل لغرض. وذلك الغرض إرادةُ الدلالة على قرب زمن وقوعه والالتباسِ به، فإذا قلت: "كدتُ أفعل"، كأنّك قلت: "مقارِبًا لفعله آخِذًا في أسباب الوقوع فيه"، ولستَ بمنزلةِ من لم يَتعاطه، بل قربتَ من زمنه حتى لم يبق بينك وبينه شيء إلَّا مواقَعتُه. وهذا معنى لا يستفاد من لفظ الاسم.
والذي يدلّ على صحّة ذلك أنك تحكم على موضع هذه الأفعال بالإعراب، فتقول هي في محل نصب، والمراد أنها واقعة موقع مفرد حقه أن يكون منصوبًا، ونظيرُ ذلك "عَسَى"، نحوُ قولك: "عسى زيدٌ أن يقوم"، والتقدير: عسى زيد القيامَ، وإن كان المصدر غير مستعمل. ونظائرُ ذلك كثيرة، فأمّا بيت الحماسة [من الطويل]:
فأُبْتُ إلى فَهْم وما كِدْتُ آئِبًا ... وكم مثلِها فارقتُها وهي تَصْفِرُ
فالبيت لتأبط شرًا، ويروى: "ولم أكُ آئِبًا". فمن قال: "ولم أكُ آئبًا"، لم يكن فيه شاهد ولا شذوذ، والمراد: ولم أك آئبًا في نظرهم, لأنهم كانوا قد أحاطوا به. ومن روى: "وما كدت آئبًا"، وهي الرواية الصحيحة المختارة، فالشاهد أنه استعمل الاسم الذي هو الأصل المرفوض الاستعمالِ موضعَ الفعل الذي هو فرعٌ، وذلك أن قولك: "كدتُ أقوم"، أصله: "كدت قائمًا"، والمعنى: وما كدتُ أؤُوب إلى أهلي، وهم بنو فهم, لأنه أحيط بي، وأشفيتُ على التَّلَف، وقاربتُ أن لا أرجع إليهم. ومثله في مراجَعة الأصل المرفوض قوله [من الرجز]:
960 - أكثرتَ في العَذْل مُلِحًّا دائِمَا ... لا تُكْثِرَنْ إنّي عَسَيْتُ صائمَا