في معناهما، أو متضمّنًا معناهما. وقد أجاز قوم من العرب: "مررت برجل أفضلَ منه أبوه، وخيرِ منه عَمُّهُ". وذلك أنّه مأخوذ من الفعل، وإن بعُد شَبَهُه بأسماء الفاعلين. قال سيبويه (?): وهو قليل رديء لما ذكرناه. فأمّا قوله [من الطويل]:
أَكَرَّ وأحْمَى للحَقِيقَة منهمُ ... وأَضْرَبَ منا بالسُّوف القَوانِسَا
فالبيت للعبّاس بن مِرْداس، والشاهد فيه نصب "القوانس" بـ "أَضربَ". وحقيقتُه نصبُه بإضمار فعلٍ دلّ عليه "أضرب"، وتقديره: ضربنا بالسيوف، أو نضرب القوانسَ، ولا يجوز أن تَتناوله "أفعلُ" هذه التي للتفضيل والمبالغة لما ذكرناه.
ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (?) فـ "حيث" ها هنا في موضع نَصْب بأنه مفعول به، لا ظرفٌ؛ لأنّه لا تخلو حَيثُ هذه من أن تكون مجرورة أو منصوبة، فلا يجوز أن تكون مجرورة, لأنّه يلزم أن يكون "أفعل" مضافًا إليه، و"أفعلُ" إنّما يضاف إلى ما هو بعضٌ له، وذلك هنا لا يجوز، وإذا لم يكن مجرورًا؛ كان منصوبًا بفعل مضمر دلّ عليه "أَعْلَمُ"، كأنّه قال: يعلم مكان رسالته، ولا يكون انتصابه على الظرف؛ لأن عِلْمَه سبحانه لا يتفاوت بتفاوُت الأمكنة. يصف قومه بالحِفاظ والشهامة، والحقيقةُ: ما يلزم الإنسان أن يحميه، ويقال: الحقيقة: الرايَةُ، ومنه قول عامر بن الطفَيْل [من الطويل]:
934 - [لَقَدْ عَلِمَت عُليا هَوَازِنَ أنّني] ... أَنا الفارسُ الحامي حقيقةَ جَعْفَرِ