لا ينصرف، وقضيّةُ الدليل أن يستوي فيه المذكر والمؤنّث والتثنية والجمع، كما لو كانت "مِنْ" ملفوظًا بها، إلاّ أنّهم لمّا كثرُ حذف "مِنْ" معها، وكثُر استعمالها مفْرَدةً من الموصوف، نحو: "مررت برجل كذا وبآخَرَ كذا"، أجروها مجرى الأسماء، فثنّوها، وجمعوها، وأنّثوها، فقالوا: "مررت بآخرَيْنِ، وبآخِرينَ". قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} (?). وفي المؤنّث: "أخرى"، وفي التثنية "أُخرَيانِ"، وفي الجمع "أُخَرُ". قال الله تعالى: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (?). وقالوا: "أُخْرَيات" أيضًا، قال [من البسيط]:
927 - [حتى إذا ما جلا عن وَجْهه فَلَقٌ ... هاديهِ] في أُخْرَياتِ الليلِ مُنْتَصِبُ
فصار لها حكمان: حكم الصفة في منع الصرف، وحكم الأسماء في التأنيث والتثنية والجمع، وهذا معنى قوله: "ولآخَرَ شأنٌ ليس لأخواته"، أي: إنّ أخواته إذا حذفت منها "مِنْ" وهي مرادة؛ استوى فيها المذكّر والمؤنّث والمثنّى والمجموع، وإذا حذفت منها "مِنْ" ولم يريدوها؛ أجروها مجرى الأسماء في التثنية والجمع، و"آخَرُ" قد أخذ حَظًّا من الطرَفَيْن، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.
قال صاحب الكتاب: وقد استعملت "دُنيا" بغير ألف ولام, قال العجاج [من الرجز]:
928 - في سعي دُنيا طالما قد مُدت