سألتُه، يعني الخليل، عن قولهم: "مذ عام أوّل"، فقال: جعلوه ظرفًا في هذا المكان، فكأنه: "مذ عام قبلَ عامِك". وقد استُعملت أشياء من الصفات ظروفًا، نحو استعمالهم "أَسْفَلَ" ظرفًا من قوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (?)، وكاستعمالهم "قَرِيبًا" في قولهم: "إن قريبًا منك زيدًا"، و"مَلِيًّا" من "النهار". فيحصل من ذلك أن "أوّل" على ثلاثة أضرب: تكون صفة على تقدير "مِنْ"، وتكون ظرفًا، وتكون اسمًا، وذلك إذا حذفت منها "مِنْ" وأنت لا تريدها، فعلى هذا يجوز أن تكون "أوّل" من قوله [من الرجز]:

يا ليتها كانت ... إلخ

مخفوضًا على الصفة لـ "عام" إلَّا أنّه لا ينصرف، ويجوز أن يكون منصوبًا على الظرف، وهذا المستعملُ ظرفًا هو المبني على الغاية من قولهم: "اِبْدَأ به أوّلُ"، وقوله [من الطويل]:

لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإنّي لأَوْجَلُ ... على أَيِّنَا تَغْدُو المَنِيةُ أَوَّلُ (?)

إذا قدّرت فيه حذف الإضافة، ألا ترى أن مُعْظَم هذا القبيل الذي هو غاية إنّما هو ظروفٌ، وأن ما ليس بظرف ممّا قد حُذف منه المضاف إليه، لم يُبْنَ، وذلك قولهم: "جاءني كلٌّ قائمًا". وقال تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (?). وذهب أبو الحسن الأخفش في قولهم: "ليس غيرُ" على أنه على حذف المضاف إليه، وكذلك قال في قول العجّاج [من الرجز]

926 - خالَطَ من سَلْمَى خَياشِيمَ وفَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015