قال (?): لأن "جئني" في معنى "هات"؛ فحمل النصب على معناه. والنصبُ في الأوّل أقوى, لأن اسم الفاعل أصله التنوين والنصب، و"جئني" أصله الجرّ؛ لأنّه لا يتعدّى إلَّا بالباء، وقد تقدّم الكلام عليه. وينبغي أن يكون إعماله مضمرًا في نحو قولك: "أزيدًا أنت ضاربُه" لما اشتغل اسم الفاعل عن مفعوله الذي هو"زيد" بضميره، لم يعمل فيه، وكان العامل مقدرًا دلّ عليه الظاهر، كأنّك قلت: "أضاربٌ زيدًا أنت ضاربُه". ومثله "أَعمرًا أنت مكرمٌ أخاه"، والتقدير: "أمكرمٌ عمرًا أنت مكرمٌ أخاه".
فإن قيل: الهاء في "زيدًا أنت ضاربُه" في موضع خفض، فكيف تنصب ما ضميرهُ مجرور، قيل: لمّا كان هذا الضمير المجرور في حكم المنصوب من حيث كان التنوين مرادًا، و"ضاربٌ" في معنى الفعل، صار كقولك: "أزيدًا مررت به"، الضميرُ مجرور، وهو في الحكم منصوب.
قال صاحب الكتاب: قال سيبويه (?): وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه, إذا كان على بناء "فاعل"، يريد نحو: شراب وضروب ومنحار وأنشد للقُلاخ [من الطويل]:
896 - أخا الحرب لباساً إليها جلالها ... [وليس بولاج الخوالف أعقلا]