وإنّما عَطَف "الركوب" بالفاء دون الواو، ليؤْذِن بأن ذلك متَّصل لا ينقطع، كما يُقال: "مُطِرْنا ما بين زُبالَةَ فالثَّعْلَبِيةِ"، إذا أردت أن المطر انتظم الأماكنَ التي بين هاتَيْن القريتَين، يقروها شيئًا فشيئا بلا فُرْجة، ولو قلت: "مطرنا ما بين زبالة والثعلبيّة"، فإنَّما أفدت بهذا القول أن المطر وقع بينهما، ولم ترد أنه اتّصل في هذه الأماكن من أوّلها إلى آخرها. وأمّا قول الراجز:
إنْ المُوَقَّى مِثْلُ ما وُقِّيتُ (?)
فهو لرُؤْبَةَ بن العجّاج، وقبله:
يَارَبّ إنْ أخطَأت أو نَسِيتُ ... فأنْتَ لا تَنْسَى ولا تَمُوتُ
الشاهد فيه استعمال "الموَقَّى" بمعنى "التوْقِيَة"، أي: أن التوقية مثلُ تَوْقِيَتِي، وكان قد وقع في أيدِي الحَرُورية، وأمّا قول الآخر [من الطويل]:
أُقاتِلُ حتى لا أرَى لي مُقاتَلًا
فإنّ هذا المِصْراع قد استعمله شاعران أحدهما مالك بن أبي كَعب، وتمامه:
وأنْجُو إذا حُمَّ الجَبانُ من الكَرْبِ (?)
والشاهد فيه استعمال "مُقاتَل" بمعنى القِتال، أي: حتى لا تبقى لي قُدْرةٌ على القتال، وأنجو عند الغَلَبَة بالفِرار إذا هلك الجبان، وأُحِيطَ به لعَجْزه عن الدفع والنَّجاة، والآخر زيد الخَيْلِ، وتمامه [من الطويل]:
وأنْجُو إذا لم يَنْجُ إلَّا المُكَيَّسُ
أي: الكَيِّس العاقل؛ لأنَّه يعرِف وجه التخلص، وأما قوله [من الرجز]:
كأنّ صَوْت الصَّنْجِ في مُصَلصَلِهْ (?)