في روايةِ من خفض، جعل الليلة مزؤودة من حيث كان الزُّؤْد فيها، فإذا قال: "دَعْهُ إلى ميسوره ومعسوره"؛ فكأنه قال: "إلى زمان يُوسَر فيه، ويُعْسَر فيه"، وجعل المرفوع والموضوع ما ترفعه وما تضعه، وجعل المعقول من "عَقَلْتُ الشيء" أي: حبسته وشددته كأنّه عقل له لُبَّه، وشَدَّ، وقيل في قوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}: إن الباء زائدة على حدّ زيادتها في {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (?) في أصحْ القولين، والمراد: فَسَتُبْصِرُ ويبصرونَ أيَّكم المفتون، واستغني بهذه المفعولات عن الفعل الذي يكون مصدرًا، لأن فيها دليلاً على الفعل، وقيل: المراد بالمفتون الجِنّيّ, لأن الجنّي مفتون، وذلك أن الكُفار قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مجنون، وأن به جنّيًا، فقال سبحانه: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (?) يعني الجِنّي.
ومن ذلك "المكروهة"، و"المصدوقة"، و"المأويّة" على التفسير المتقدّم.
فأمّا "المُصْبَح"، و"المُمْسَى" ونحوهما، فمصادرُ غيرُ ذي شكّ، وذلك أن المصدر إذا كان لفعل زائد على الثلاثة، كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعولٌ، تقول: "أدخلته مُدخَلًا"، و"أخرجته مُخرَجًا" كما قال تعالى: {أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} (?)، وقال اللهُ: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (?)، والمفعول به "مُدْخَل"، و"مُخْرَجٌ". وكذلك لو بنيت من الفعل اسمًا للمكان والزمان، كان كلّ واحد منهما على مثال المفعول، لأن الزمان والمكان مفعولٌ فيهما، والفعلُ يعمل فيها كلّها عملًا واحدًا، فلمّا اشتركت في وصول الفعل إليها ونَصْبِها، اشتركت في اللفظ، فقالوا في المكان والزمان: "مُمْسى"، و"مُصْبَحٌ"، وكذلك إذا أرادوا المصدر.