قال الشارح: اعلم أن المصدر قد يجيء بلفظ اسم الفاعل والمفعول كما قد يجيء المصدر، ويُراد به الفاعل والمفعول من نحو قولهم: "ماء غَوْرٌ"، أي: غائرٌ، و"رجلٌ عَدْلٌ"، أي: عادلٌ. وقالوا: "درهم ضَرْبُ الأمير"، أي: مضروبُه، و"هذا خَلْقُ الله" والإشارةُ إلى المخلوق. وقالوا: "أتيتُه رَكْضًا"، أي: راكِضًا، و"قتلته صَبْرًا"، أي: مصبورًا. كذلك قالوا: "قُمْ قائمًا" فانتصب انتصابَ المصدر المؤكد، لا انتصابَ الحال، والمراد: قم قِيامًا، فأمّا قوله [من الطويل]:

ألَمْ تَرَنِي عاهدتُ ربي وإنني ... لَبَيْنَ رِتاج قائم ومَقام

على حِلْفَ لا أشتِمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا ... ولاخارِجًا من في زُورُ كَلامِ (?)

فإئهما للفرزدق. والشاهد فيه قوله: "ولا خارِجًا"، وضعه موضعَ "خروجًا"، والتقدير: لا أشتم شَتْمًا، ولا يخرج خروجًا. وموضعُ "خارجًا" موضِعُ "خروجًا"؛ لأنّه على ذلك أقسمَ, لأنّ "عاهدت" بمعنى "أقسمت". هذا مذهب سيبويه (?). وكان عيسى بن عمر يذهب إلى أن "خارجًا" حالٌ، وإذا كان حالًا، فلا بد أن يكون الفعل قبله في موضع الحال، لانّه معطوف عليه، والعاملُ فيهما "عاهدت"، والتقدير: عاهدتُ ربي لا شاتمًا ولا خارجًا من فيّ زورُ كلام، أي: في هذه الحال، ولم يذكر ما عاهد عليه، وأمّا قول الآخر [من الوافر]:

كَفَى بالنأْيِ من أسْماءَ كافِي ... وليس لحُبّها إذ طَالَ شافِي

فيَا لكِ حاجةً ومَطالَ شَوْقٍ ... وقَطْعَ قَرِينَة بعدَ ائتِلافِ

الشعر لبشْر، والشاهد فيه نصبُ "كاف" على المصدر، وإن كان لفظه لفظ اسم الفاعل، والمرَاد: "كافِيًا"، وإنّما أسكن الياء ضرورةً، جعله في الأحوال الثلاث بلفظ واحد كالمقصور، وقد جاء ذلك كثيرًا. ومنه قوله [من الطويل]:

883 - ولو أن واش باليَمامَة دارُه ... وداري بأعْلَى حَضْرَ مَوْتَ اهْتَدَى لِيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015