الحائل فيها، ومنه: "لقيتُه صَحْرَةَ بَحْرَةَ" (?)، أي: من غيرِ حائل. والبَيْداءُ: المَفازة، مأخوذٌ من "بادَ يَبِيدُ" إذا هلك؛ لأنّها مُوحِشةٌ مُهْلِكةٌ، وقيل لها: "مَفَازةٌ" على طريق التفاؤل بالسلامة، كما قيل للمُعْوَجّ: "أحْنَفُ"، والحَنَفُ الاستقامة، وقيل: "المفازةُ" مأخوذ من قولهم: "فَوَّزَ" إذا هلك، فيكون إذًا كالبيداء. والأوّلُ أمثلُ؛ لاحتمالِ أن يكون "فَوَّزَ" مأخوذًا من "المفازة"، كأنّه رَكِبَ مفازةٌ، فهلك. وقالوا: "الجَرْباء" للسماء، كأنّهم جعلوا الكواكب كالجَرَب لها، فعلى هذا أصلُها الصفة، وإنّما غلبتْ فصارت اسمًا بالغَلَبَة. وقالوا: "الجَمَّاءُ" من قولهم: "الجَمْاءُ الغَفِيرُ"، أي: جماعتُهم لم يتخلّف منهم أحدٌ، فهو اسمٌ، وليس بمصدر.

وأمّا الجمع، فنحو " القَصْباء"، و"الطَّرْفاء"، و"الحَلْفاء"، و"الأشْياء"، وهذه الأسماءُ مفردةٌ واقعةٌ على الجمع، فلفظُها لفظُ الإفراد، ومعناها الجمع. هذا مذهب سيبويه (?)، وحكى أبو عثمان عن الأصمعيّ أنّه قال: واحد الطرفاء طَرَفَةٌ، وواحد القَصْباء قَصَبَةٌ، وواحد الحَلْفاء حَلِفَةٌ، فهذا وحدَه مكسورُ العين، وليس الخلافُ في تكسيرها وعدم تكسيرها، إنّما مَوْضعُ الخلاف أنّ هذه الأسماء هل هي بمنزلة "القوم" و"الإبل" لا واحدَ لها من لفظها، أو هي بمنزلة الجامِل والباقِر في أنّ لها واحدًا من لفظها، وهو جَمَلٌ، وَبَقَرَةٌ.

وأما "أشْياءُ"؛ فإنّ أصلها "شَيْآءُ" على زنة "فَعْلاء" كـ "قَصْباءَ" و"طَرْفاءَ" إلا أنّهم كرهوا تقارُبَ الهمزتَيْن، فحوّلوا الأُولى إلى موضع الفاء، فقالوا: "أشْيَآءُ" على زنة "لَفْعَآءَ"، والأصلُ: فَعْلآءُ. والذي يدلّ على أنّه مفردٌ تكسيرُهم إيّاه على "أشاوَى". وفيه خلافٌ (?) قد ذكرتُه في شرح المُلُوكيّ، وقد استقصيتُ الكلامَ فيه هناك.

وأمّا المصدر؛ فنحو "السَّرّاء"، و"الضَّرّاء" بمعنى المَسَرَّة والمَضَرَّة، و"النَّعْماء" بمعنى النَّعْمَة. قال الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} (?). والصواب أنّها أسماءٌ للمصادر، وليست أنفسَها، فالسرّاءُ: الرخَاءُ، والضرّاءُ: الشدّة، والنعْماءُ: النعْمة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015