فأمّا قول سُحَيْم بن وَثِيل:

وماذا يَدَّرِي ... إلخ

فذهب قومٌ إلى أنّ النون في "الأربعين" حرفُ الإعراب، والكسرة فيه علامةُ الجرّ، ويكون من قبيلِ ما جُمع بالواو والنون عوضًا من المحذوف، كـ"سِنُون"، و"قُلُون". وذلك أن "ثلاثين" ونحوَه من قولك: "أربعين"، ليس بجمعِ "ثلاثٍ"، و"أربعٍ" على الحقيقة، إذ لو كان "ثلاثون" جمعَ "ثلاث"؛ لَوجب أن يُستعمل في تِسْعة, لأنّ الواحد من تَثْليثها ثلاثة، وفي اثني عشرَ, لأنّ الواحد من تثليثها أربعةٌ، وفي خمسةَ عشرَ, لأنّ الواحد من تثليثها خمسةٌ، إلى أن تتجاوز به الثلاثين من الأعداد التي الواحد من تثليثها فوق العشرة. وكذلك "الأربعين" ونحوُها من الخمسين إلى تسعين.

وإذا ثبت أنّ "ثلاثين" ليس بجمع "ثلاث"، و"أربعين" ليس بجمع "أربع"، عُلم أنّه اعتقد فيه أن له واحدًا مقدَّرًا، وإن لم يجر به استعمالٌ، فكأن "أربعين" جمعُ "أربع"، و"أربعٌ" جماعةٌ، فكأنّه قد كان ينبغي أن يكون فيه الهاءُ، فعُوّض بالواو والنون، وصار الأمرُ فيه كحالِ "أرْضٍ" و"أرَضِينَ".

ونحوٌ من ذلك قولُهم في اسم البلد: "قِنَّسْرُونَ"، و"فَلَسْطُونَ" كأنهم جعلوا كل ناحيةٍ من "قنّسرين" و"فلسطين" "قِنَّسْرَ وفَلَسْطَ"، والناحيةُ والجهةُ مؤنّثتان، فكان القياس في واحده لو نُطق به: "قِنَّسْرَةُ"، و"فَلَسْطَةُ"، فعوّضوا من ذلك الجمعَ بالواو والنون. والحقُّ فيه أنّ النون في قوله [من الوافر]:

وقد جاوزتُ حَدَّ الأربعينِ (?)

ليست حرفَ إعراب، ولا الكسرةُ فيه علامةَ جرّ، إنما هي حركةُ التقاء الساكنين، وهما الياء والنون. وكُسرت على أصل التقاء الساكنين؛ لأنّ حركة التقاء الساكنين لم تأتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015