قالوا: البيت مَدْحٌ، وقد كان ينبغي أن يقول: لنا الجِفانُ البِيضُ؛ لأنّ الغُرّة بَياضٌ يسيرٌ، وكان حقُّه أن يستعمل "السُّيُوف" موضعَ "الأسياف". وهذا، وإن كان الظاهرُ ما ذكروه، إلّا أنّ العرب قد تستعمل اللفظَ الموضوع للقليل في موضع الكثير. من ذلك قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (?)، وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (?)، ولا يعِد الكريمُ سبحانه بأن في الجَنَّة غُرُفاتٍ يسيرةً، وكذلك ليس المراد بقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} العشرةَ فما دونها، وإنما الإخبارُ عن هذا الجنس قليلِه وكثيرِه. وذلك أنّ الجموع قد يقع بعضُها موضعَ بعض، ويُستغنى ببعضها عن بعض، ألا ترى أنّهم قالوا: "رَسَنٌ"، و"أَرْسانٌ"، و"قَلَمٌ"، و"أَقْلامٌ"، واستغنوا بهذا الجمع عن جمع الكثرة؟ وقالوا: "رَجَلٌ"، و"رِجالٌ"، و"سَبُعٌ"، و"سِباعٌ" ولم يأتوا لهما ببناء قلّة؟ وأقيسُ ذلك أن يُستغنى بجمع الكثرة عن القلّة, لأنّ القليل داخلٌ في الكثير.

واعلم أنّ هذا الفصل بين أبنية القليل والكثير، إنّما وقع في الثُّلاثيّ لخفّة لفظه وكثرةِ دَوْره، إذ الكلمةُ إذا كثُرت، كثُر التصرُّفُ فيها، ألا ترى أنّهم قد بلغوا ببنات الثلاثة في الزيادة سبعةَ أحرف، نحو: "اشْهيبابٍ" (?)، فزيد على الثلاثة أربعةُ أحرف، فلم يُزَدْ على الأربعة أكثرُ من ثلاثة أحرف، نحو: "احْرِنْجامٍ" (?)، ولم يُزد على الخمسة أكثرُ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015