قال الشارح: القياس يأبى تثنيةَ الجمع، وذلك أنّ الغرض من الجمع الدلالةُ على الكثرة، والتثنيةُ تدلّ على القلّة، فهما معنيان متدافِعان. ولا يجوز اجتماعُهما في كلمة واحدة، وقد جاء شيءٌ من ذلك عنهم على تأويلِ الإفراد، قالوا: "إبِلان"، و"غَنَمان"، و"جملان". ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضمّوا إليه مثلَه، فثنّوه. أنشد أبو زيد [من الطويل]:
هُما إِبِلانِ فيهما ما عَلِمْتُمُ ... فَعَنْ أَيّها ما شِئْتُمُ فتَنَكبُوا
وقالوا: "لِقاحان سَوْداوان" حكاه سيبويه (?)، وإنَّما "لِقاحٌ" جمعُ "لِقْحَةٍ"، وقالوا: "جِمالان" يريدون قطيعَيْن منها. قال الشاعر [من البسيط]:
لأصبح الحي ... إلخ
فالتثنية تدلّ على افتراقها قطيعَيْن. ولو قال: "لِقاحٌ"، أو"جِمالٌ"، لَفُهم منه الكثرةُ، إلا أنّه لا يدلّ على أنّها مفترقةٌ قطيعين. وهو في "إبلان" أسهلُ؛ لأنّه جنسٌ، فهو مفردٌ، وليس بتكسير كـ "جَمَل" و"جِمال"، ومن ذلك قول أبي النَّجْم [من الرجز]:
تَبَقَّلَتْ في أوّلِ التَّبَقُّلِ ... بين رِماحَيْ مالِكٍ ونَهْشَلِ
أَعلمَ بالتثنية افتراقَ رماح هؤلاء من رماح هؤلاء.
فأمّا قوله عليه السلام: "مَثَلُ المُنافِقِ كالشاة العائِرة بين الغَنَمَيْنِ"، فإنّه شبّه المنافقَ، وهو الذي يُظْهِر أنّه من قوم وليس منهم، بالشاة العائرة، وهي المتردّدة بين الغنمَيْن، أي: بين القطيعَيْن، لا تعلم من أيِّ القطيعين هي. يقال: سَهْمٌ عائرٌ، وحَجَرٌ عائرٌ، إذا لم يُعلَم من أَيْنَ هو، ولا مَن رماه.
قال صاحب الكتاب: وتجعل الاثنان على لفظ الجمع إذا كانا متصلين (?) كقولك: