ونحو قوله [من الوافر]:
وكاءٍ بالأبَاطِحِ من صَدِيقٍ ... يَراني لو أَصِبْتُ هو المُصابا (?)
وهي مركبة، أصلُها: "أيٌّ"، زيد عليها كافُ التشبيه، وجُعلا كلمةً واحدةً، وحصل من مجموعهما معني ثالثٌ، لم يكن لكلّ واحد منهما في حال الإفراد. ولذلك نظائرُ من العربيّة وغيرها، ولكونهما صارا كلمةً واحدةً، لم تتعلّق الكافُ بشيء قبلها من فعلٍ، ولا معنى فعل، كما لا تتعلَّق في "كَأَنّْ" و"كَذَا" بشيء مع كونها عاملةً فيما دخلتْ عليه؛ لأنّ حرف الجرّ لا يُعلَّق عن العمل. ألا ترى أنّ "مِنْ" في قولك: "ما جاءني من أحد" زائدةٌ لا تتعلّق بشىء، وهي مع ذلك عاملةٌ. وكذلك الباء في قولك: "ليس زيد بقائمٍ" عاملةٌ مع كونها زائدةً غيرَ متعلّقة بفعلٍ قبلها. وكذلك الكافُ في "كأيّ" زائدةٌ غيرُ متعلّقة بشيء، وهي مع ذلك عاملةٌ.
وهي تنصب ما بعدها، فتقول: "كأيٍّ رجلًا رأيت"، فتكون "كأيّ" في موضعِ منصوب بـ "رأيت" نَصْبَ المفعول به، كما أنّك إذا قلت: "رأيت كذا وكذا رجلًا"، كان "كَذَا" في موضعِ نصب بـ "رأيت". وتقول: "كأيٍّ أتانى رجلاً"، فتكون "كأيّ" في موضع مبتدأ، و"أتاني" الخبرُ، كما تكون "كم" كذلك. وإنّما نصبوا بها للزوم التنوين لها، والتنوين مانعٌ من الإضافة، فعُدل إلى النصب؛ لأنّها للتكثير بمنزلةِ "كم" في الخبر، تخفض مميِّزَها عند قومٍ، وتنصبه عند آخرين. والخفضُ ها هنا ممتنعٌ. قال سيبويه (?): لأنّ المجرور بمنزلة التنوين، فلذلك نصبوا ما بعدها كما نصبوا ما بعد "كذا وكذا درهمًا". وأكثر العرب لا يتكلّمون بها إلا مع "مِنْ"، نحو قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} (?).