فجُعل مع "شَغَرَ" في التَّفرّق الذي لا اجتماعَ معه، كما يكون في العطش كذلك. ومثله "شَذَرَ مَذَرَ"، كلّه من معنى التفرّق الذي لا اجتماع معه، وهو مركّب أيضًا مبنيّ لتضمُّنه معنى الحرف. ويحتمل أن يكون مأخوذًا من "الشَّذْر"، وهو الذهبُ، يُلقَط من المَعْدِن من غيرِ ذَوْب الحجارة، فهو متفرِّقٌ فيه متبدِّدٌ، أو من "الشَّذْر"، وهو صِغارُ اللُؤْلُؤ، كأنّه لصِغَره متفرّقٌ لا يُجمَع بالنَّظْم. و"مَذَرَ" من "مَذِرَت البَيْضَةُ"، إذا فسدت وأبعدتْ، أو من "البَذْر" وهو الزَّرْعُ؛ لأنَّ فيه تفريقَ الحَبّ، ومنه التبذير، وهو تفريقُ المال إِسرافًا، فتكون الميمُ على هذا بدلًا من الباء، ويُؤْيِّد ذلك قولُهم فيه: "شَذَرَ بَذَرَ" بالباء على الأصل.
وقالوا في معناه: "خِذَعَ مِذَعَ". وهو مركب مبنيّ لتضمُّنه حرف العطف، والمراد: خِذعًا ومِذَعًا، فرُكّبا، والعطفُ مرادٌ في النِّيَّة، وهو مأخوذ من "الخَذْع"، وهو القطعُ، يُقال: "لَحْمٌ مُخَذَّغ"، أي: مُقَطَّعٌ. و"مِذَعَ" من قولهم: "مَذَعَ السِّرَّ"، إذا أفشاه ولم يكتُمه، كأنّه تفريقٌ له.
وقالوا: "تركوا البلادَ حَيْثَ بَيْثَ، وحاثِ باثِ، وحَوْثَ بَوثَ" إذا تَفرَّقوا، وربَّما نوّنوا تشبيهًا لها بالأصوات المنكورة. وقالوا: "حَيْثًا بَيْثًا"، وذلك إذا تفرّقوا وتبدّدوا، وهو من استحاثَ الشيءَ: إذا ضاع في التُّراب. ومثلُه "اسْتَباثَ"، وهو البَحْث عن الشيء بعد ضَياعه. قال الشاعر [من الوافر]:
659 - لَحَقُّ بَنِي شغارةَ أن يقولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: ماذا تَسْتَبِيثُ
أي: تطلب.