قالوا: "كَيْ" هنا بمعنى "كيف" استفهام. وقال قومٌ: أراد: "كيف"، وإنما حذف الفاء تخفيفًا، كما قالوا: "سَو أفعلْ"، والمرادُ: سَوْفَ.

ولا يُجازَى بـ "كيف" كما جُوزي بـ "أَيْنَ" لضُعْفها ونَقْصها عن تصرُفِ أخواتها بكونها اسمًا , ولا يُخبَر عنها، فلا يقال: "كيف في الدار؟ "، كما يقال: "من في الدار؟ "، و"ما عندك؟ " على الابتداء والخبر. ولا يعود إليها ضمير، فلا يقال: "كيف ضربتَه؟ "، والهاء تعود إلى "كيف". ولا يكون جوابُها إلَّا نكرة، وجوابُ أخواتها يكون معرفة ونكرة، فإذا قلت: "كيف زيدٌ"، فيقال: "صالح"، أو"سقيم"، ولا يقال: "الصالحُ". فلما نقص تصرُّفُه عن تصرُّفِ أخواته، ولم تكن ثم ضرورة تدعو إلى المجازاة به, لأنّه يقوم مقامَه: "على أي حال تكن أكُنْ".

وأما "أنى"، فظرفُ مكان يُستفهم بها كـ"أَيْنَ"، قال الله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا} (?)، أي: من أيْنَ لك هذا؟ ويجازون بها. يقولون: "انى تقم أقم". قال لبيد [من الطويل]:

فأصبَحْتَ أنى تَأْتِها تَشْتَجِر بها ... كِلَا مَرْكَبَيْها تَحْتَ رِجْلَيْكَ شاجرُ (?)

وقال بعضهم: إِنّها تؤدي معنى "كيْفَ"، نحو قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (?)، أي: كيف شئتم. والمجازاةُ بها دليلٌ على استعمالها استعمالَ "أَيْنَ". وهي مبنية لتضمُنها همزة الاستفهام، وسكن آخِرُها على قياس البناء، فأما قول الكُمَيْت [من المنسرح]:

أَنى ومِن أَيْنَ آبَكَ الطرَبُ ... من حيثُ لا صَبوَةٌ ولا رِيَبُ (?)

الشاهد فيه استعمالُ "أَنى" بمعنى "كيف". ألا ترى أنه لا يحسن أن تكون بمعنى "أَيْنَ"؛ لأن بعدها "من أَيْنَ"، فتكون تكرارًا. ويجوز أن تكون بمعنى "من أين"، وكُررت على سبيل التوكيد، وحسُن التكرارُ لاختلاف اللفظَيْن، فاعرفه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015