وطال الأمرُ عليه، فجاؤوا بـ "أيْنَ" مشتملاً على جميع الأمكنة، وضمنوه معنى الاستفهام، فاقتضى الجوابَ من أولِ مرة.
ووجب أن تُبنَى على السكون، لوقوعها موقع همزة الاستفهام، إلَّا أنه التقى في آخره ساكنان، فحُركت النون لاجتماعهما، وفُتحت طلبا للخفة واستثقالًا للكسرة بعد الياء، فآثروا تخفيفَها لكثرة دَوْرها، وسعةِ استعمالها.
وفيهما معنى المجازاة لإبهامهما ووقوعِهما على كل اسم يقع بعد حرف الجزاء، ألا ترى أنك إذا قلت: "متى تَقُمْ أَقُمْ"، كان معناه: "إنْ تقم يومَ الجمعة، أقم فيه، إنْ تقم يومَ السبْت أقم فيه"؟ وكذلك إذا قلت: "أيْنَ بيتُك آتِه"، معناه: أين بيتُك، إنْ أعرفه آتِه، و"أين تكن أكن" معناه: إن تكن في المسجد، أكن فيه، إن تكن في السوق، أكن فيه. فلما كانت "مَتَى" و"أيْنَ" يشتمِلان على كل اسم من أسماء الزمان والمكان، ويقع الجوابُ عنهما معرفة ونكرة، ولم يكونا مضافَيْن إلى ما بعدهما كـ"إذْ" و"إذا"، جازت المجازاةُ بهما. قال الشاعر [من الوافر]:
أنا ابنُ جَلَا وطَلاع الثنايَا ... متى أَضَعِ العِمامَةَ تَعْرِفُوني (?)
وقال [من الخفيف]:
646 - أَيْنَ تَصْرِفْ بها العُداةَ تَجِدْنا ... نصرِفُ العِيسَ نَحْوَها للتلاقِي