قال صاحب الكتاب: ومنها "منذ"، وهي إذا كانت إسماً على معنيين:
أحدهما: أول المدة كقولك: "ما رأيته منذ يوم الجمعة"، أي: أول المدة التي انتفت فيها الرؤية ومبدؤها ذلك اليوم.
والثاني: جميع المدة كقولك: "ما رأيته منذ يومان"، أي مدة انتفاء الرؤية اليومان جميعاً. و"مذ" محذوفة منها, وقالوا: هي لذلك أدخل في الأسمية, وإذا لقيها ساكن بعدها ضمت رداً إلى أصلها.
* * *
قال الشارح: اعلم أن "مُذْ"، و"مُنْذُ" يختصان بالزمان، فلا يدخلان إلا على زمان، فمحلهما من الزمان محل "مِنْ" من المكان. فـ "مِن" لابتداء الغاية في المكان، ولا يُستعمل في غيره. تقول: "ما سرْتُ مِن بغدادَ"، أي: ما ابتدأتُ السيرَ من هذا المكان. و"مُنْذُ"، و"مُذ" لهذا المعنى في الزمان، ولا يُستعملان في غيره. وذهب الكوفيون (?) إلى أن "من" يصلح للزمان والمكان، و"مُذْ"، و"مُنْذُ" لا يصلحان إلَّا للزمان، وتَعلقوا بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} (?)، و"أوّلُ يوم" من الزمان؛ وقد دخلتْ "من" على الزمان، ومنه قولُ زُهَيْر [من الكامل]:
634 - لِمَنِ الدِيارُ بقُنةِ الحِجرِ ... أقْوَيْنَ مِن حِجَج ومِن دَهْرِ