/متن المنظومة/
-18- وكم عنِ الخلقِ احتجبتَ خالياً ... وكم على الهضابِ سرتَ باكياً
-19- لكلِّ مُوسَى طورُ حبٍّ دائمُ ... وكلُّ عيسى في الحجابِ قائِمُ
-18- وكم خلوت أيها السالك بربك، وكم بكيت بين يديه في الفلوات والقفار، وكم لهجت في ليلك ونهارك بذكره، فإن ذلك هو باب المعرفة
ولله در الشاعر في قوله:
أيها العاشق معنى حسننا ... مهرنا غال لمن يطلبنا
جسد مضنى وروح في العنى ... وجفون لا تذوق الوسنا
وفؤاد ليس فيه غيرنا ... وإذا ما شئت أدِّ الثمنا
فعن الكونين كن منخلعاً ... وأزل ما بيننا مِن بيننا
-19- المراد أن كل من يمشي على هدى موسى كليم الله ومنهجه، فإنه لا بد له من طور كطور موسى يخلو فيه بربه، وينقطع عن الخلق.
وكل من يريد أن يحصل له من الوصال ما حصل لعيسى بن مريم، ولأمه العذراء البتول، فإنه لابد أن يدخل في الحجاب الذي دخلت فيه مريم منقطعة عن الخلق وهذا المنهج هو الذي ارتضاه السادة الصوفية وهم يرسمون للسالكين طريق الوصول إلى الله.
وما أحسن ما قاله بهذا المعنى الشاعر والفيلسوف المسلم محمد إقبال:
عطايانا سحائب مرسلات ... ولكن ما وجدنا السائلينا
تجلي النور فوق الطور باق ... فهل بقي الكليم بطور سينا
إن النبوة قد انقطعت بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ريب، وهذا من أركان الاعتقاد، لا يزيغ عنه إلا هالك، ولكن ليس انقطاع النبوة والتشريع أذان بأن السماء أغلقت أبوابها في وجوه الأرض، وأن ثمرات العبادة التي يجدها العارفون في قلوبهم إشراقاً ونوراً قد حجبت عن العالمين، إذاً لقد حجَّرنا رحمة الله وفضله، والله أكرم من أن يمن بأنواره وبركاته على ولد يعقوب وأصحاب موسى وحواريي عيسى ثم يحجب هذه الأنوار عن أصحاب محمد وأمة محمد، والله أعدل من يمنح أنواره قوماً ويحجبها عن قوم آخرين، وهو القائل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة (186)