/متن المنظومة/
-13- فالطورُ والخليلُ والحجابُ ... والغارُ والمزمورُ والهضَابُ
-14- مسالكُ الخلقِ لبابِ الحقَّ ... بها ينالُ القصدَ أهلُ الصِّدْقِ
-13- لقد كان لكل نبي ولكل ولي معتكف يخلو به مع الله، وينقطع عن الأغيار، ومن استأنس بالله استوحش مما سواه، ففي جبل الطور كان موسى يخلو بربه سبحانه، وهو جبل موحش مقفر في قلب صحراء سيناء، غير أن موسى رآه عامراً بالأنس لما كلمه ربه فيه، وقد بلغ شوق موسى إلى الله عز وجل وتعلقه به حداً جعله ينسى شعب بني إسرائيل ويسرع إلى مناجاة الله في (الطور) حتى ذكره الله عز وجل بقومه {وما أعجلك عن قومك يا موسى} ، ولم يسجل القرآن لموسى من مناجاة الطور إلا سؤالاً واحداً: {ربِّ أرني أنظر إليك} الأعراف 7 وذلك شأن كل مشتاق، وفي الحديث القدسي: «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين» رواه الترمذي والدارمي.
وأما (الخليل) فهي بلدة كان يعتكف فيها إبراهيم الخليل في فلسطين وقيل موضع في برزة بدمشق، وبها قبر ينسب إليه، وهو يعكس صورة ما بين الخليل وربه من تجليات وإشراق، حتى استحق أن يدعى خليل الله، وكان اشتغاله بالله عز وجل حباً وشوقاً يشغله عن مسألته، وفي الخبر أن إبراهيم عليه السلام لما قدم إلى النار، وكان قومه قد أوقدوا تحتها عشرة أيام، حتى عظم لهيبها، وكان الطير إذا طار فوقها سقط فيها مشوياً من شدة طول ألسنة اللهب فيها، فوضعوه في المنجنيق ودفعوه، فأتاه جبريل وهو في رمية المنجنيق فقال: يا إبراهيم. ألك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: سل ربك؟ قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي، {قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} قال: المفسرون لو أن الله قال: يا نار كوني برداً على إبراهيم لمات إبراهيم في جوفها من شدة البرد، ولكن قال: كوني برداً وسلاماً على إبراهيم.
و (الحجاب) إشارة إلى قوله عز وجل في مريم ابنة عمران {فاتخذت من دونهم حجاباً} والمراد أن مريم عليها السلام احتجبت عن قومها لتفرغ لعبادة الله، حتى طهرت نفسها وتزكت جوارحها، فأكرمها الله عز وجل بعيسى ابن مريم.
و (الغار) إشارة إلى غار حراء، وهو الغار الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعبد فيه قبل النبوة، وكانت قد حببت إليه الخلوة، فكان يخرج إلى الغار وهو كهف يتسع لرجل أو رجلين، في أعلى جبل أبي قبيس، يطل على مكة، يبلغه الفتى النشيط في نحو ساعة ونصف، ولا شك أن هذا الغار كان يمثل المدرسة التي تلقى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - معارف النبوة، ونفحات العلم الإلهي.
و (المزمور) إشارة إلى مزامير داود التي كان يتغنى بها في مناجاته لربه، وهي مجموعة من الأدعية والضراعات، كان يتغنى بها في جوف الليل، وهي تكشف لك عند تأملها، عن شفافية ما كان بين داود ومولاه من الشوق والحب.
و (الهضاب) وهي إشارة إلى تلك الخلوات التي كان يلتزمها العابدون في انقطاعهم عن الأغيار.
-14- (مسالك الخلق) أي هذه الخلوات التي كان يدخلها الأنبياء والأولياء، هي الدروب الصحيحة التي كانت تصلهم (لباب الحق) سبحانه وتعالى (بها ينال القصد أهل الصدق) وشعار السالكين: (إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي)